الكاتب: عوني المشني
لا اعلم بالضبط مكان الخط الفاصل بين الجيد والسيئ في اتفاقية وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، ولكني اعلم ان وقف حرب الابادة هو جيد ، بل وجيد جدا ، واعلم ان تحرر الاف الاسرى هو عمل جيد ، وان عودة اهل القطاع إلى بيوتهم او امكان بيوتهم التي دمرت هو امر جيد ايضا .
سيكون التقييم لاتفاقية وقف اطلاق النار مرتبطا بالبدايات والنهايات ، البدايات مفاجئة صاعقة ، تخطيط يتفوق على نفسه ، تنفيذ جريئ ومتقن ، قدرات استثنائية ، البدايات إعجازية . الثغرة الوحيدة حسابات فيها قدر من المغامرة غير المحسوبة ، وعدم تقدير كافي لردات الفعل . وكذلك النهايات المتقنة ، المنظمة بأدق التفاصيل ، المعبرة على قدرة على السيطرة ، نهايات تليق بمن استطاع ان يجترح البدايات المتميزة . ما بين البدايات والنهاية كانت حرب ابادة غير مسبوقة ، تشريد وتجويع ، حرب على الانسان والمكان ، كان صمود شعبي اسطوري يتوازى مع مقاومة حقيقية وفاعلة ومؤثرة ، ما بين البدايات والنهاية وجع كبير ، وعظمة كبيرة ، وخيبات كبيرة .
توجت الحرب باتفاقية تشبه وقف الحرب إلا انها ليست كذلك بالضبط ، تشبه الانتصار إلا انها ليس كذلك بالضبط ، اتفاقية فيها طعم الانتصار المر ، والصمود المضطر ، والوجع المكابر . ستكون بحاجة إلى نحت مصطلحات جديدة للتوصيف ، ابداع معايير جديدة للاحتكام لها ، بحاجة إلى لغة لا تنتمي لعصر ما قبل سبعة اكتوبر حتى تكون مفهومة .
انها الحرب المعجزة المتوحشة المغامرة الابداع العظيمة الكارثة الملهمة المحبطة ، انها كل شيئ واي شيئ . حتى الان انها حرب ، وحتى شعار آخر ستبقى حرب .
سيكون التقييم الحقيقي لها عنما تبدأ في التحول إلى معطى سياسي ، حينها سيتضح مسار التقييم الحقيقي ، الحرب هي سياسة بطريقة اخرى كما قال كلاوزفتش ، او هي سياسة مكثفة كما قال لينين ، وفي كلا القولين فانها سياسة . من المبكر القول ان الاتجاه السياسي لهذه الحرب قد اتضح ، ومن المبكر اكثر إطلاق أوصاف الانتصار والهزيمة واعطاء مواقف ووضع الحرب في سياقات ، من المبكر لان هذه الحرب تختلف عن اي حرب ، فيها من الاهداف ما هو معلن وما هو خفي ، ومن المبكر لان ارتداداتها لم تنتهي بعد وتحتاج إلى وقت حتى تتضح ، ومن المبكر لا لها نتائج سياسية ستاتي متاخرة نوعا ما وغير مباشرة نوعا ما ، وعميقة نوعا ما .
لكن وفي كل الحالات لا انتصار مطلق ولا هزيمة مطلقة في هذه الحرب ، والاهم ان من لم يشارك بها قد يكون مهزوما اكثر من الطرف المهزوم ، هناك اطراف هزمت مرغمة حتى قبل ان تنتهي الحرب ، هزمت سياسيا وفقدت مكانتها ودورها ، وهناك اطراف اختارت الهزيمة بارادتها .
كما قلنا حرب ليست ككل الحروب ، لا هزيمة مطلقة ، لا نصر مطلق ، ولكن قد تقلب النتيجة النهائية كل الموازين لتصبح هذه الحرب الذي لم ينتصر فيها احد .