الأربعاء: 29/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

رسالة مفتوحة للرئيس والقيادات الفلسطينية

نشر بتاريخ: 27/01/2025 ( آخر تحديث: 27/01/2025 الساعة: 18:11 )

الكاتب: جمال زقوت

لم تكن تصريحات أو بالونات ترامب المتغطرسة حول تهجير الغزيين إلى مصر والأردن الأولى، ولن تكون الأخيرة. ومع ذلك لا يمكن المرور عليها مرور الكرام. فهي في أقل تقدير تحمل في طياتها نظرة استعلائية تكشف مفهوم يستوطن السياسة الأمريكية الطائشة بأن الفلسطينيون ليسوا أكثر من "مجموعة إرهابيين وشعب تم اختراعه" كما قال يوماً مرشح الرئاسة الجمهوري جينغريتش، والتي كررها فيه حينه ربيب نتنياهو و ترامب على حد سواء الملياردير الأمريكي شلدون إدلسون، قائلاً "اقرأوا تاريخ الذين يطلقون على أنفسهم فلسطينيين، واسمعوا ما قاله جينغريتش بأن الشعب الفلسطيني مخترع".

بالونات ترامب والتي تتقاطع مع دعوات الفاشية الاسرائيلية، لا تستهدف مصير شعبنا الفلسطيني فقط، بل، فهي تشكل عدواناً على الأمن القومي العربي، بما في ذلك محاولة إحياء سياسة "الوطن البديل" في الأردن، بما يفرضه من ضرورة ليس فقط الرد بمواقف صلبة لوأد مثل هذه المؤامرات التي تستهدف مصير المنطقة العربية والسيطرة على ثرواتها لصالح اسرائيل، الذي اعتبر ترامب نفسه أن جغرافيتها صغيرة ولا تتناسب مع قدرتها، داعياً بذلك إلى مزيد من السيطرة على الأرض العربية، كما سبق وقدم الجولان المحتلة لها، ولم يرفض التوسع الاسرائيلي في الأراضي السورية بعد سقوط تظام الأسد .

هذه التصريحات على رعونتها، إنما تؤكد عدداً من الحقائق يأتي في مقدمتها أن الأطماع التوسعية الاسرائيلية لاحدود لها، ولن تقف عند حدود ضم الضفة الغربية أو تهجير شعبنا منها ومن القطاع ، بل إنها تمتد شرقاً وجنوباً لمختلف العواصم العربية. أما الحقيقة الثانية فهي أن مقاومة الشعب الفلسطيني لهذه الأطماع التوسعية تشكل درع الدفاع ليس فقط عن حقوق ومصير الشعب الفلسطيني، بل وعن مصير المنطقة العربية برمتها. أما الحقيقة الثالثة والتي تؤكدها إرادة الفلسطينين ازاء مدي تشبثهم بأرضهم والانتماء لكل بقعة فيها، فقد أظهرتها طوابير مئات الآلاف التي انتظرت على مدار يومين على شارع الرشيد وما يسمى بمفرق" نتساريم" مع علمهم الأكيد بأنهم عائدون إلى أطلال بيوت مدمرة، وشبكات مياه وكهرباء غير صالحة بل ومدارس ومستشفيات وطرق غير مؤهلة لتقديم أي خدمة. لقد تعلم الفلسطينيون درس النكبة، كما تشرّبوه بعد هزيمة حزيران 1967. إلا أنهم اليوم وهم أصحاب قرارهم المصيري يدركون بأن البقاء وحماية الأرض هما جوهر مقاومة المشروع الصهيوني العنصري. وأخيراً، فإن الحقيقة الرابعة هي أن الرهان على ترامب، والامتناع عن بلورة رؤية وطنية مدعومة عربياً و دولياً، كأساس لأي حراك سياسي، انتظاراً لما سيقدمه صاحب صفقة القرن الأولى، لن يؤدي سوى لمزيد من التآكل الذاتي. فبلورة رؤية وطنية له استحقاقاته الداخلية ويتطلب القيام بمراجعات شاملة و جريئة من الجميع، بدونها سنظل غير مؤثرين، وستذهب التضحيات الهائلة أدراج الرياح .

هذا قول فصل للشعب الذي لا تزيده جرائم ودموية مخططات الحكومة الفاشية في تل أبيب سوى المزيد من تمسكه بحقوقه. ويحق لكل مواطن من هذا الشعب الذي تعرض للإبادة المفتوحة على مدار أكثر من ستة عشر شهراً أن نعتبره البطل الحقيقي. نعم فالشعب هو القائد طالما أن القيادة تبدو وكأنها في حالة اغتراب عن مدى قدرته على الاحتمال في سبيل التقدم نحو حقوقه الوطنية، والتي تتحقق بالقدر التي تُكسر فيها حلقات المشروع الصهيوني الاحلالي حلقة تلو الأخري ، وليس الاستسلام لها. فالمشروع الوطني سلسلة مترابطة جوهره البقاء والصمود وقيادة وطنية موحدة قادرة على إسناده لتحقيق ذلك.

السؤال الكبير والذي طالما كررته في كل مقالاتي السابقة هو هل ما تفعلة القيادة المهيمنة في مواجهة المخاطر الكبرى والتحديات التي يتعرض لها شعبنا تتناسب مع تلك المخاطر والتحديات الوجودية؟ وهنا لا بد من توجيه رسالة مفتوحة للرئيس بصفته كما للقيادات الفلسطينية على مختلف مشاربها .

لقد كان من الطبيعي أن يتم الاختلاف حول مدى جدوى ما قامت به المقاومة في السابع من أكتوبر، سيما لجهة مدى صوابية أو سوء تقدير التداعيات المترتبة عليه، و المواقف الإقليمية والدولية منه، سيما لجهة تبني الرواية الصهيونية ومحاولة دعشنة المقاومة من خلال استنفار منظومة "الهاسبراه"، والتي سرعان ما تفككت أمام تمادي فاشية الإبادة التي ارتكبها قادة وجيش ومجتمع الاحتلال. ولكن للأسف لم يتحقق هذا التفكيك للدعاية الصهيونية المنظمة بجهد سياسي دبلوماسي إعلامي فلسطيني ينطلق من رؤية موحدة لخطاب فلسطيني قادر على تفكيك أكاذيب تلك الرواية المتهافتة .فالرواية التي انتصر بها الفلسطينيون كان ثمنها غالياً بما تضمنته من مشاهد الضحايا و دماء الأطفال والنساء والشيوخ وبيوتهم المدمرة، والتي ابدع شبان وشابات وصحافيو وصحافيات غزة في نقلها لشعوب العالم في كافة أصقاع الكون، محدثةً تحولات نوعية على الرأي العام الدولي، بل و بما يُمكن اعتباره انتفاضة كونية في الوعي والمظاهرات التي عمت مدن العالم وعواصم القرار فيه . فقد انتصر الكف على المخرز . إلا أن الخطاب الفلسطيني ظل مشتتاً، حتى أن قيادة حماس تأخرت حتى مارس 2024 لتنقل روايتها حول السابع من أكتوبر ، وقد سبقها الأمين العام للأمم المتحدة حين اعتبر أن السابع من أكتوبر لم يكن سوى نتاج لظلم وعدوان طويل استمرّ لما يزيد عن خمسة وسبعين عاماً، بينما القيادات العربية و حتى الفلسطينية صمتت أمام ماكرون خلال زيارته للمنطقة، وهو يدعو لانشاء تحالف إقليمي لاجتثاث حماس والمقاومة كما سبق وفعلوا مع داعش في انحياز مطلق لرواية اليمين الفاشي الصهيوني، الذي كان يمهد بتلك الرواية لارتكاب أبشع جرائم الإبادة.

مرة أخرى فإن الرد المباشر على تُرَّهات ترامب ودعاة الترانسفير في اسرائيل يأتي على يد أبناء القطاع الذين طالما عاهدوا أنفسهم بأغاني ثورتهم وانتفاضاتهم" عهد الله ما نرحل"، ولكن هل مثل هذا العهد و إرادة البقاء لوحدهما يكفيان لهزيمة مخططات التهجير ؟

في لقاء جمعني بالشهيد القائد إسماعيل هنية في مارس من العام الماضي ، والذي أشهد له أمام التاريخ أنه كان حريصاً بالنواجذ على الوحدة والمضي نحو رؤية واقعية تكسر كل العقبات المصطنعة لتحقيقها، سيما لجهة وحدة القرار الوطني في منظمة التحرير، والمضي نحو حكومة وفاق انتقالية . كان ذلك من موقع الإدراك أن الحرب الأصعب ستبدأ بعد وقف إطلاق النار، وأن حكومة تل أبيب ستحاول ابتزاز الشعب الفلسطيني في معضلة الإعمار وقبلها الإغاثة والإيواء لتحقيق ما عجزت عن انجازة من خلال جرائم الإبادة التي فرضت عليها العزلة الكونية، سيما لدى شعوب العالم والمحاكم الدولية التي باتت تطارد مجرمي هذه الإبادة في كل مكان ولأول مرة في تاريخها .

الرسالة المفتوحة التي يجب أن توجه للرئيس واللجنة المركزية لحركة فتح، لماذا كل هذا التمترس والإصرار على عدم تنفيذ ما تم التوقيع عليه من قبل جميع الفصائل في بكين، بما في ذلك وفد اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة نائب رئيس الحركة ؟ في وقت أن هذا الإعلان الذي دعمته الصين الشعبية والعديد من دول العالم قد حظي أيضاً بتأييد شعبي غير مسبوق؟ فهل ما زال في قيادة الحركة الوطنية والنظام السياسي الفلسطيني من يعتقد أن بإمكانه الاستفراد بالقرار الوطني وبالسلطة، أو باقصاء الآخرين مهما بلغت قوته ونفوذه؟

وفي هذا السياق ، نحن بحاجة لدعم جميع الأشقاء العرب لإنجاز مثل هذه الوحدة ، فخطر الترانسفير داهم وليس مجرد تخرُّصات كهانية، وهذا الخطر يهدد مصالحهم وأمنهم القومي، وهو لا يقتصر على الأشقاء في مصر والأردن. إن حماية الأمن القومي العربي يستدعي فيما يستدعي بذل المزيد من الجهد لتعزيز واستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، و مؤسساته الوطنية الجامعة، حيث على صخرتها تتحطم تًرّهات ترامب وغطرسته وتنكره لحق شعبنا في البقاء وتقرير مصيره على أرض وطنه.. وطن الآباء والأجداد .