الكاتب: جهاد حرب
اليوم، أبهر الغزيون العالمَ بالسيل الهادر من العائدين من الجنوب إلى الشمال كجيش عرمرم يغزو السماء، وكالطيور العائدة إلى وطنها مشتاقة لمدينة غزة التي لا تشبهها المدن ولتراب شوارعها وأزقة حواريها، وإلى شاطئها المختلف عن شواطئ المدن الملتفة حول البحر الأبيض. يعود الغزيون وهم على يقين أن بيوتهم مهدمة وشوارعهم مدمرة رغم ذلك يرغبون بسرعة العودة وساجدين شكرا للرب فور وصولهم لأبوابها، وعيونهم مليئة بدموع الفرح رغم الألم والمعاناة التي عاشوها على مدار خمسة عشر شهرا ونيف تركوا التعب وألم والمعاناة خلفهم كمن ينفض التراب عن أكفهم أو كأنهم ولدوا من جديد.
يعود الغزيون كطائر الفنيق "العنقاء" من المحرقة إلى الحياة أو لتعليم العالم درس التشبث بالحياة وللانبعاث من جديد بعد الكارثة التي حلت بهم؛ كأنه البعث لخلق مدينة غزة من جديد. يعود الغزيون بفرحة لا يشبها الفرح مليئة بالشجن والأمل رغم عدم اليقين بالمستقبل؛ كأنهم حكاية حياة عائدة من الزمن وعبره.
مشهد عودة الغزيين "كنت أود رفع المضاف إليه كهامات نساء ورجال وأطفال غزة العزة" هذا اليوم كأنه الإسراء من جنوب القطاع إلى شمال غزة والمعراج للقاء الأهل (وهو يوم اسراء النبي محمد إلى المسجد الأقصى والمعراج إلى السماء)، لرؤية منازلهم وتفقد أحوال أقرباهم وجريانهم الذين اشتاقوا لرؤيتهم، عادوا لإكرام الشهداء بدفنهم بما يليق بهم، وتدفئة الأماكن بحنينهم وفرحهم.
شعب "غزة" الجبارين كما وصفهم الله في كتابه تمثل اليوم بقدرته على تحمل المعاناة والنجاة من القتل أو بمعنى أدق قتل الموت، وبتجسيم شعب الجبارين بالمشي على الأقدام للصغار والكبار والنساء والرجال بإرادة لا تلين، وعزم الصابرين، وفخر المواجهين.
تشميلة بني غزة جاءت رداً سياسياً بالغاً على مخططات التهجير لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وإفشالاً مدوياً لتصريحات التطهير العرقي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وتشميلة بني غزة تجسد روح شعب الجبارين في الكتاب المقدس لقهر الاحتلال والعدوان للمكابين، وعظمة طائر العنقاء في الأسطورة الفينيقية الذي يعود من الرماد للحياة والانبعاث بهامات مرفوعة رغم الكارثة التي حلت بقطاع غزة.