الخميس: 30/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

على حافة العودة: قصة خبز وسندويشات على الطريق

نشر بتاريخ: 28/01/2025 ( آخر تحديث: 28/01/2025 الساعة: 13:49 )

الكاتب: شادية الغول

في صباح اليوم الثاني للعودة، كنت أراقب الطريق بحركة مشوشة بين العابرين وأفكارٍ تائهة في رأسي. على طاولة الإفطار، جهزت سندويشًا بسيطًا بالجبن، وكأنني أستعد لبدء يوم طويل. تذكرت كيف أن الأطفال يعشقون هذه السندويشات؛ ابن أختي، الذي لم يبلغ عامه الثاني، يرفض كل شيء إلا أن تُذكر أمامه كلمة "سندويش".

وسط هذا المشهد، جاء اتصال من إحدى المؤسسات الدولية. أخبروني أن نصيب مؤسسة "مفتاح" من المساعدات، وهو صندوق ثقيل من المعلبات، قد أصبح جاهزًا للاستلام. احتجت لرجل قوي العضلات لحمله، لكن ما أثقل قلبي أكثر كان الطلب بتوزيع هذه المساعدات على النازحين في طريق العودة.

منذ الثانوية العامة وأنا أدخن خلسة عن أبي، ومع الجامعة أصبح التدخين علنًا. رغم أن والدي تقبّل الأمر مكرهًا، إلا أنني توقفت عن التدخين تمامًا بعد إصابتي بالسرطان، ذلك السر الذي احتفظت به لنفسي فقط. قطعت علاقتي بالنيكوتين يوم حجزت موعد العملية لاستئصال الكتلة، بالتزامن مع إنهاء آخر امتحان لي في مرحلة الماجستير.

لكن علاقتي بالتدخين عادت مرتين؛ الأولى في قبرص خلال العزل الصحي أثناء دراسة الدكتوراه، حيث حبستني أربعة جدران لمدة ثلاثة أشهر. والثانية كانت في غزة، عندما منع الاحتلال دخول السجائر كنوع من العقاب.

أما اليوم، فقد كان مختلفًا. بينما كنت أوزع عبوات المياه على النساء العائدات إلى غزة، رأيت إحداهن بالكاد تحمل طفلها وحقيبة الملابس الثقيلة. في تلك اللحظة، تلقيت اتصالاً جديدًا من المؤسسة، يتحدثون عن صندوق معلبات قد يكون فاسدًا، وطلبوا مني حمله. شعرت بالغضب يتصاعد إلى رأسي. هذا العجز الدولي، وهذه المساعدات التي تُشعر الإنسان بالمذلة، دفعتني إلى العودة للتدخين فورًا. اشتريت سيجارة واحدة بـ20 دولارًا، وأخذت أول نفس بعد انقطاع دام سنة وأربعة أشهر. شعرت وكأن الدخان الذي خرج من فمي كان بصقة ساخنة في وجه هذا النظام الدولي المتهالك.

لكن الغضب ليس نهاية القصة. قررت أن أفعل شيئًا مختلفًا. اشتريت كيس طحين من أحد المارة، مقابل مبلغ كبير من المال، لأن الرجل لم يستطع حمله وسافر بسيارة للعودة إلى غزة. ثم ذهبت إلى "أم محمد"، تلك السيدة التي تخبز على الحطب، وطلبت منها إعداد خبز للعائدين. رفضت أن تأخذ أي مقابل وقالت: "هذا واجبنا".

عدت إلى المنزل، وأعددت مع والدتي سندويشات بسيطة بما توافر لدينا من الجبن والزعتر. وضعناها في سلة، وانطلقت بها إلى الطريق. وقفت على الحافة، أوزع هذه السندويشات على العائدين. ابتسمت عندما رأيت الأطفال يقضمون السندويش بسعادة، يملؤهم الحب، في مقابل ما عجزت عنه المساعدات الدولية.

كانت هذه السندويشات رسالة بسيطة: أحيانًا، ما يحتاجه الإنسان ليس صندوق معلبات ثقيل، بل لقمة صغيرة تشعره بالكرامة والحب.