الكاتب: رزان كيال تميمي
الادارات الامريكية المتعاقبة منذ النكبة الفلسطينية في ١٩٤٨ دعمت اسرائيل منذ اقامتها الى اليوم بالارتكاز على حقيقة اناسرائيل هي قاعدة متقدمة لأمريكا في الشرق الأوسط. وأنا سأستعرض كيف دعمت الولايات المتحدة بشكل مستمر تاريخيا دولة الاحتلال الإسرائيلي:
لقد كان هاري ترومان اول رئيس يعترف بـ " دولة إسرائيل"، بعد أن قام بن غوريون قيامها في أيار 1948. وفي عهد الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور كانت قيمة المساعدات المالية لإسرائيل تبلغ 100 مليون دولار، على الرغم من أن التسليح المباشر لم يكن قد بدأ. أما جون كينيدي فقد رفع الحظر عن تسليح إسرائيل الذي كان في عهدي كل من ترومان وآيزنهاور، وبدأ عهد الدعم العسكري المباشر لإسرائيل. في عهد جونسون اعتبر أن"إسرائيل ذات أهمية استراتيجية كبرى" في المنطقة العربية، ذلك بعد انتصار إسرائيل على الدول العربية في حرب عام 1967، وهو اول رئيس يمنح دولة الاحتلال منظومة أسلحة هجومية. أمانيكسون فقد كانت سياسته تقوم على تهميش القضية الفلسطينية. في مرحلة جيرالد فورد كان كيسنجر يسعى لضمان أمن إسرائيل والاعتراف بوجودها من قبل الدول العربية، مع الاستمرار في تهميش القضية الفلسطينية. وفي عهد كارتر جرى تدشين اتفاقية السلام التاريخية بين مصر واسرائيل. في عهد ريغن كان الدعم منصباً لإسرائيل ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة.
بعد انهيار نظام ثنائي القطبية عقد مؤتمر مدريد للسلام في عهد الرئيس جورج بوش الاب. في عهد كلينتون جرى توقيع اتفاقية أوسلو. بعد احداث 11 سبتمبر 2001 في فترة جورج بوش الابن تغيرت السياسة الخارجية الامريكية وأصبح جل تركيزها بما يسمى الحرب على الإرهاب. في زمن أوباما بالرغم معارضة اليمين الإسرائيلي لسياسات أوباما في المنطقة، إلا ان ادارته دعمت دولة الاحتلال مالياً وعسكريا وعارضت 18 قراراً في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل.
خلال فترة ولاية ترامب الأولى قام بنقل السفارة الامريكية الى القدس، وإعلان صفقة القرن التي تعني منع قيام دولة فلسطينية، والتخلص من حل الدولتين، وضم الضفة الغربية لإسرائيل وتطبيع الدول العربية مع إسرائيل مع تهميش للقضية الفلسطينية. دعمبايدن دولة إسرائيل اليمينية المتطرفة في الحرب على غزة بعد احداث 7 من أكتوبر 2023 والمنطقة وأرسل البوارج الى منطقة الشرق الأوسط لضمان تفوق إسرائيل العسكري في حروبها في الشرق الأوسط.
استطاع ترامب الوصول الى البيت الأبيض للمرة الثانية في يناير2025، وشرع في اتباع سياسات عدائية تأثرت بها العديد من دول العالم مثل فرض الضرائب على كندا، والصين، المكسيك، وكولومبيا، ورؤيته بتهجير الفلسطينيين من غزة وفرض السلام في الشرق الأوسط، وبالرغم من أنه استطاع عبر تهديداته بإيقاف الحرب على غزة، إلا أن سياساته الداعمة لإسرائيل والتي هي سياسات كارثية للشعب الفلسطيني تعمل على انهاء القضية الفلسطينية، وانهاء حل الدولتين، وتهجير الفلسطينيين من ارضهم.
وهنا نرى أن مواقف ترامب تجاه الفلسطينيين وتصريحاته تشكلتهديداً وجودياً للقضية الفلسطينية، حيث قال إن "الفلسطينيينليس لديهم بديل سوى مغادرة قطاع غزة"، ويريد أن يفرض علىالأردن ومصر ان تستقبل اهل غزة ويستخدم أسلوب فرض الامر الواقع على الفلسطينيين. نرى هنا أن ترامب وطاقمه يفتقد للخبرةبإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة ويمارس الأحادية القطبية بالرغم من أن النظام الدولي يشهد تغيراً وينحى نحو تحالفات تعددية، والتي لم تأخذ شكلها النهائي الى الآن.
يغلب على ترامب في سياسته تجاه الفلسطينيين شخصية رجل الاعمال في مجال العقارات، حيث يريد أن يبني غزة على أن تكون "ريفييرا الشرق الأوسط" ويمكن أن يعيش بها أناس من جميع انحاء العالم، على أن تكون خالية من سكانها الأصليين والذي يرى أن تهجير الفلسطينيين الغزيين يحقق السلام في المنطقة.
إن "غزة، وفق ترامب، منطقة اقتصادية وسياحية وطقسها جيدوفيها ثروات من الغاز، يمكن أن تكون مقراً أو مقصداً لسكان العالم مع إفراغ القطاع من سكانه، وهذا ما سيحقق السلام" منوجهة نظر الرئيس الأمريكي.
وكان صهر ترامب الذي كان موظفاً في البيت الأبيض، جاريدكوشنر، اقترح في فبراير/ شباط، بأن تخرج إسرائيل المدنيين منغزة لإطلاق العنان لإقامة مشاريع عقارية على الواجهة البحرية.
وقبل شهور عدة أطلق ترامب تصريحات قال فيها إن "مساحةإسرائيل تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكّرت كيف يمكنتوسيعها". هنا تلويح صريح بتشجيع إسرائيل على السيطرة على فلسطين كلها واحكام السيطرة على المنطقة العربية. إن ترامب حقيقتاً يتجاهل بسذاجة مدى تعقيد القضية الفلسطينية، فهو يختلف عن الرؤساء السابقين بأنه ينظر الى السياسة من منطلق اقتصادي لا سياسي، وتنصب جل اهتماماته على الربح وتحقيق المكاسب، فإذا كان هناك صفقة مربحة فإنه يسعى جاهداً لتحقيق هدفه، ونلحظ في خطابات ترامب أنه يتعامل مع عالم السياسة بفكر اقتصادي يحقق مكسب لجهة مع تهميش جهات أخرى باتباع سياسة الفرض لا الحوار، وإذا كان هناك حوار فإنه يعتمد على مكانتك في سلم القوة لديه، فإذا كنت قوياً وتشكل تهديد له، فإن الحوار هنا ممكن. وإذا ابرزت نقاط ضعفك ولم تكن لديك أوراق ضغط عليه فإنك لا تشكل تهديد لديه.
وهنا نقطة مهمة، يجب ان تكون القيادة الفلسطينية حذرة في التعامل مع ترامب فلا يجب ان تعاديه فتخسر إمكانية الحوار معه، فالحوار سيعطي للقيادة الفلسطينية المزيد من الوقت لاستغلال الفرص الممكنة من خلال التغير في النظام الدولي (أي التفاوض من اجل كسب الوقت)، ولا ان ترضخ له لان على القيادة الفلسطينية ألا تصل الى نقطة المعادلة الصفرية فيؤدي ذلك الى تصفية القضية الفلسطينية، ويجب التأكيد هنا أن ترامب صاحب فكر متغير ومتناقض.
في ظل افراط الرئيس دونالد ترامب في ممارسة الأحادية القطبية بشكل فظ تجاه الفلسطينيين، فاللعبة بالنسبة للفلسطينيين هي لعبة صفرية أما بالنسبة لحليفته إسرائيل يطبق سياسة الربح له ولحليفته إسرائيل على اختلاف درجة الربح.
أمام هذا الواقع أرى ان على الفلسطينيين أن يعملوا على الوحدة الوطنية، وعلى الفلسطينيين البقاء في أراضيهم، وعدم الانجرارالى مواجهة عسكرية مع إسرائيل في الضفة الغربية حتى لا تستخدم إسرائيل ذلك ذريعة لتدمير الشعب الفلسطيني ومقدراته في الضفة الغربية، لان هذا ما تسعى إسرائيل الى تحقيقه في ظل سياسات ترامب المجحفة تجاه الفلسطينيين. على الفلسطينيين أن يدركوا أن امامهم 4 سنوات صعبة خلال فترة رئاسة ترامب، وعلى الفلسطينيين أن يكونوا متنبهين وحذرين للمحافظة على بقائهم، وذلك لان النظام الدولي ينتقل من حالة الأحادية القطبية الى نظام آخر لم تتجل ملامحه حيث تتعدد فيه التحالفات وتتغير لمواجهة الأحادية القطبية، وهذا أرى أنه التغير سوف يخدم القضية الفلسطينية مستقبلاً.