الجمعة: 07/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

هذا هو الشرق الأوسط: يوم لك وعشرة ضدك.. والويل للأقوياء

نشر بتاريخ: 07/02/2025 ( آخر تحديث: 07/02/2025 الساعة: 16:20 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

نظرة واحدة على التاريخ القريب للشرق الأوسط تعطينا انطباعًا واضحًا أن النظريات الغربية المستشرقة سرعان ما تدفن هنا تحت الرمال كما يدفن غريب في أرض بعيدة. الطيور المهاجرة لا تكف عن المرور من هنا، تشرب ماء البلاد وتأكل الثمار والحشرات سوياً ثم تواصل الهجرة من أوروبا إلى إفريقيا جيئة وذهابًا. لا الأشجار تطير معها ولا الأنهار تركض وراءها.

تصريحات ترامب عن غزة، وأفكاره حول تهجير الفلسطينيين تحل مشاكل نتانياهو الشخصية، ولكنها لا تحل مشاكل إسرائيل التي تتضاعف كل عقد منذ تأسيسها. كما توحي بأن ترامب رجل "نرجسي" مبالغ في تقدير ذاته ومنفصل عن الواقع مثل صديقه إيالون ماسك الذي يعيش في العالم الافتراضي ولا يستطيع العودة إلى الحياة الطبيعية.

الأقوياء في الشرق الأوسط، الأقوياء سياسيًا وعسكريًا وذهنيًا وفكريًا يرحلون بسرعة، يموتون في السجون أو يقتلون على يد أقرب الحلفاء والأقرباء، أو يحاكمون وينتهون. والضعفاء يصمدون عشرات السنين ولا يتزحزحون عن مقاعدهم. في معادلة لا يمكن تحليلها ولا فهمها سوى أن الأقوياء يجاهرون برأيهم القوي فيتكاثر عليهم الخصوم والأعداء، أما الضعفاء فيحاولون التأقلم والزحف مع أي شيء ومع أي أحد وأي جماعة فيظلون مثل ديكور جامد لا يضر ولا ينفع.

جرى قتل الجنرال إسحاق رابين وعاش نتانياهو ليحكم أكثر من بن غوريون، وتم إعدام الزعماء العرب الذين أعلنوا موقفًا من أمريكا ومن الغرب، كما يقدم الجنرالات الشداد استقالاتهم، وبن غفير يتشبث في منصب وزير الأمن والشرطة وهو لم يخدم في العسكرية لأنه "غير لائق". وفي بلاد العرب أمثلة أقسى وأصعب وأكثر خشونة يتردد الكاتب القوي في ذكرها حتى لا يزول بسرعة مثل أبطال قصصه!!

احتمالية بقاء نتانياهو أقوى بكثير من احتمالية بقاء ترامب. ترامب سوف يرحل بعد حين وفي حد أقصاه أربع سنوات، أما نتانياهو وغيره من الذين يعبدون السلطة ومستعدون لعمل (أي شيء) من أجل البقاء في سدة الحكم، فسوف يبقون كثيرًا وطويلًا حتى كرهنا الحياة التي جمعتنا مع أمثالهم.

أزمة ما بعد الصهيونية أزمة عميقة جدًا. وكنت أتحدث مع الباحث الدكتور محمود يزبك حول الأمر، وهناك من يعتقد أن ما بعد الصهيونية هو التطبيع مع إسرائيل. ولكن هناك من يعتقد أن ما بعد الصهيونية هو اندماج اليهود مرة أخرى (وليس الإسرائيليين) في المجتمعات البشرية. حول هذا يبحث كبار الباحثين الصهاينة والعرب، كتبوا ولسوف يكتبون دون إجابة واضحة حتى الآن.

أنا مع الذين يعتقدون أن نهاية الصهيونية تكون باندماج اليهود (ليس إسرائيل) في المجتمعات البشرية الطبيعية، وأن يكونوا مثل باقي الشعوب تعيش وتنمو مثل باقي المجتمعات. ولكن قلة فقط باقية في مربع الكراهية والعنصرية تعتقد أن إسرائيل شيء مختلف عن باقي المجتمعات البشرية، وأرى أن أفكارهم سوف تتحطم سريعًا. كلما دعمهم ترامب بالقوة أكثر، كلما صارت احتمالية فشل فرضياتهم أسرع.