السبت: 08/02/2025 بتوقيت القدس الشريف
خبر عاجل
وصول الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم إلى رام الله
حافلة تقل اسرى فلسطيينيين تغادر سجن عوفر غرب رام الله

من وعد بلفور الى وعد ترامب !

نشر بتاريخ: 08/02/2025 ( آخر تحديث: 08/02/2025 الساعة: 10:00 )

الكاتب: د. رمزي عودة





لم يصدق نتنياهو نفسه وهو يستمع الى تصريحات ترامب في البيت الأبيض، المفاجئة ساحقة . وعد جديد يعتبر أهم من وعد بلفور، الذي قدّم لللورد روتشيلد عام 1917 لمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين. فوعد ترامب مكن اسرائيل من تحقيق أهدافها ليس فقط من الحرب على غزة، وإنما أيضاً من تغيير خارطة الشرق الأوسط !
اعتبر البعض أن ترامب فقد صوابه، أو ربما تحدث بعاطفته الدينية المعبقة بترتيلات المسيحيين الصهاينة، ولكن الحقيقة ليست هكذا. إن تصريحاته تؤكد على أن إسرائيل كانت وستبقى مشروعاً أمريكياً بامتياز، إنها أرض وقاعدة أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط، ولذلك فإن ما تقدمه الإدارات الأمريكية لها من دعم وإسناد ليس من قبيل التضامن، وإنما من منطلق المصالح الأمريكية الخالصة، والتي تقضي بدعم التوسع الاسرائيلي – أقصد الأمريكي- في الشرق الأوسط.
لقد تتضمن وعد ترامب عدة بنود أساسية لإسرائيل، وهي تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ومنع جميع الحركات المناهضة لاسرائيل باعتبارها معادية للسامية، وتعزيز الاسثمارات العالمية في قطاع غزة تحت إشراف وسيطرة أمريكية، وتوسيع دائرة التطبيع في إطار اتفاقية أبراهام، وتقويض المشروع النووي الايراني. هذه الوعود الصارمة والواعدة لإسرائيل لا تأتي في سياق رسمي، وإنما تدخل في إطار الوعود والتصريحات، ولهذا لم يتبناها البيت الأبيض رسمياً كما تم الإعلان عنه البارحة. وهذا لا يخرج هذه الوعود عن الجدية السياسية تماماً كما حدث في وعد بلفور، حيث سرعان ما تبنت الحكومة البريطانية ومجلس العموم وعد بلفور، ويتوقع أن تمرر وعود ترامب في الكونجرس الأمريكي والادارة الجديدة بنفس المنوال.
في الواقع، يهدف كلا الوعدين الى تصفية القضية الفلسطينية، ولكن وعد ترامب يتميز بإعلانه الصريح عن الرغبة في تهجير الفلسطينيين وربما ضم الضفة الغربية لاحقاً أو أجزاء منها. بالنسبة لبلفور فقد تعاطف مع اليهود واعتبر أن منحهم وطناً قومياً في فلسطين سيكون حلا لمشكلتهم، أما بالنسبة لترامب فقد تعاطف مع الفلسطينيين واعتبر أن التهجير سيكون حلاً مثالياً لمعاناتهم المستمرة مع الحروب والتدمير!.
وللمفارقة، فإن ترامب الذي يشن حرباً ضد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة والذين يقدر عددهم بأكثر من 11 مليون مهاجر، يسعى لإعادتهم الى أوطانهم، بينما يريد بوعوده للصهيونية أن يهجر الشعب الفلسطييني الى عدة دول متناسياً أن تهجيرهم من غزة يجب أن يكون فقط الى قراهم ومدنهم التي هجّروا منها عام 1948! وللمفارقة أيضاً، فإن ترامب تعامل مع قضية الشعب الفلسطينيي باعتبارها قضية إنسانية وليست سياسية، فلم يتحدث عن دولة فلسطينية سواء على الأرض الفلسطينية أو خارجها، بينما تعامل بلفور مع ما يسمى بقضية اليهود باعتبارها قضية سياسية بالأساس ومنحهم حق إقامة الدولة.
في المحصلة، فإنني أكاد أجزم أن فلسطين في وعود بلفور وترامب لم تكن سوى أرضاً للبيع والاستثمار، وأن الفلسطينيين ليسوا سوى سكاناً وليس شعباً يريد الحرية والاستقلال. وكأن هؤلاء الأقوياء أصيبوا بالعجرفة لدرجة أنهم باتوا يقسمون الأوطان ويتاجرون بها ويمنحوها للغرباء. في هذا العالم الظالم، باتت فلسطين بالنسبة لهؤلاء الأقوياء الأنجاس ورقة يقامرون بها ويبتزون الآخرين من خلالها.
ويبقى السؤال المهم الآن هو هل سينجحوا؟ هل سيسمح الشعب الفلسيطني بتمرير مثل هذه الوعود؟ في الواقع، هذا الشعب العظيم الذي صمد في حرب الابادة الجماعية ولم يترك أرضه طوال هذه الحرب لن ينتظر العم ترامب ليمرر وعوده المجنونه. إن مواجهة وعد ترامب يجب أن تكون مدروسة وواقعية وقادرة على تجنيد الجماهير ضدها، هذه الخطة يجب أن تتضمن العودة السريعة للسلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة قطاع غزة، والبدء بإعادة إعمار قطاع غزة بالتنسيق الفعال مع القاهرة وعمان، وضرورة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية.