الكاتب: د. محمد عودة
في البداية لا بد من التأكيد على ان وقف المذبحة والابادة الجماعية والتطهير العرقي وعودة المهجرين الى أماكن سكنهم رغم كل المحاذير يشكل أولوية لكل فلسطيني، فقد طفح كيل العدوان وتضاعفت معاناة الناس الى حدود لا تتحملها الجبال فمن هنا يقف كل الشعب الفلسطيني مسرورا لتوقف شلال الدم سرورا ممزوجا بالألم من النتائج غير المسبوقة للإبادة الجماعية (عشرات آلاف الشهداء والجرحى، والايتام) بنية تحتية مدمرة ومئات آلاف المنازل المهدمة كليا او جزئيا، لقد ان الأوان ليحظى من بقي على قيد الحياة بفرصة للنجاة.
بالتزامن مع عودة المهجرين من الجنوب الى الشمال دونما توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة ربما تعطي نتائج عكسية فالعائدين كانوا في غالب الأحيان اما في الخيام او في المدارس، من شدة معاناة التهجير والقتل عادوا الى ديارهم بلا خيام وبلا مدارس، فاين هي الأماكن التي ستأويهم وتقيهم برد الشتاء، ومن اين سيحصلون على قوت يومهم؟ لقد كان الأولى بالمفاوضين والوسطاء استغلال الأسبوع الفائت لتوفير أماكن لاستيعاب الاسر المدمرة بيوتها كحد أدنى إضافة الى تخزين مواد غذائية من المساعدات توزع على العائدين في بيوت من بقيت بيوتهم وفي مراكز الإيواء المعدة سلفا لمن هدمت بيوتهم الى حين ازالة بقايا الاسلحة غير المنفجرة والتي تشكل احد اهم هذه المحاذير.
أحد اهم الاهداف المطروحة بشكل علني للعدوان على غزة هو تفريغ جزء من سكان غزة وتهجيرهم الى دول الجوار، في كواليس السياسة في الكيان الصهيوني كان الحديث يدور حول الإبقاء على عدد لا يتعدى ثمانمائة ألف فلسطيني في كل القطاع، وهذا ما كان يبرر الطلب المتواصل من سكان الشمال بالتوجه الى الجنوب الآمن حسب زعمهم. وامام الموقف الصلب من الاشقاء في مصر تبدلت لهجة التهجير القسري الى طرح ديماغوجي وعلى لسان سموتريتش وبن غفير وغيرهم بان إسرائيل تريد تحسين أوضاع الغزيين عبر هجرتهم لأن غزة لم تعد قابلة للحياة ومع بقاء الموقف المصري ثابتا على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين عبر مصر فقد تعمد اسرائيل الى تهجيرهم عبر موانيء ومطارات اسرائيل.
عودة الى تصريحات دونالد ترامب حول الضغط على الشقيقتين مصر والأردن ولاحقا سوريا والمغرب من اجل تهجير غالبية سكان غزة فان الإصرار الإسرائيلي على عدم ادخال الخيام والكرفانات الى الشمال واعاقة وصول الخبراء الذين سيضعون خرائط للقنابل والصواريخ غي المنفجرة واقتراح الية وجدول زمني لازالتها قد يطول اضافة الى تعطيل عملية البدء بإعمار غزة عبر تأهيل ما أمكن من البنية التحتية طمعا في ان تؤدي اجراءات الاعاقة الاسرائيلية والطلب الامريكي من مصر والاردن وسوريا والمغرب استقبال الغزيين الى نوع من الهجرة ظاهرها طوعي وجوهرها قسري خاصة لمن فقدوا اسرهم ومصادر دخلهم وبيوتهم .
ان الشعب الفلسطيني الذي صمد صمودا اسطوريا لخمسة عشر شهرا يستطيع ان يصمد هذه المرة لان القنابل والصواريخ التي تساقطت عليهم من كل حدب وصوب لم تعدد تتساقط ولو بشكل مؤقت ورغم مخاطر القنابل التي لم تنفجر فان من الضرورة بمكان مساعدة أهلنا في القطاع المنكوب على الصمود عبر بذل مزيدا من الجهد مع الدول الشقيقة والصديقة للإسراع في نزع بقايا القذائف و إغاثة غزة قبل فوات الأوان.
مطلوب من قيادة دولة فلسطين العمل على توفير مقومات البقاء لأهلنا في القطاع ولو كان ذلك عبر تقاسم لقمة العيش معهم من قبل شعبنا في الضفة والقدس والداخل والشتات ان أمكن، إنّ مخطط تصفية القضية الفلسطينية يبدوا الآن أكثر وضوحا وخطرا من أي وقت مضى خاصة ان حظي برضا او موافقة أي طرف فلسطيني، ان تقاطع المصالح والمشاريع بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الامريكية يشكل خطرا داهما على المنطقة برمتها.
على القيادة الفلسطينية التوجه الى المؤسسات الدولية لإعادة التأكيد على ان كل الأراضي التي احتلت عام 67 تخضع للقانون الدولي الذي يحرم القوة القائمة بالاحتلال من التملك باي شكل من الاشكال في الأراضي المحتلة ولمنع إسرائيل من استثمار قانونها الجديد الذي يسمح بشراء الأراضي في الضفة وغزة من قبل المواطنين الإسرائيليين مستغلين الوضع الكارثي خاصة في شمال قطاع غزة.مطلوب تقديم شكاوى الى المحاكم الدولية المختصة لمعاقبة اسرائيل على السماح لمستوطنيها بالتملك في اراضي دولة فلسطين.
مطلوب من القيادة الفلسطينية العمل مع الاشقاء العرب على توسيع الجنة السداسية لتشمل الجميع ،لكي يكون الجهد اكثر جدوى ،اضافة الى ان القيادة الفلسطينية مطالبة بشكل جدي باعادة قراءة التجربة وتقييمها على طريق البحث عن سبل وحدة الموقف السياسي مع الفصائل الاسلامية على قاعدة برنامج موحد تى وان كان مرحليا حتى نمنع كارثة شطب القضية التي يتبناها كل من امريكا واسرائيل.
بعد تخطي العاصفة مطلوب من القيادة الفلسطينية العمل بشكل جاد على اصلاح منظمة التحرير بنيويا واعادة الحياة الديمقراطية الى كافة مؤسساتها ،مطلو من قيادة الشعب الفلسطيني بصفتها ام الولد ان تستوعب الجميع ،ان خيار العمل الجبهوي الواسع والذي يضم الكل الفلسطيني ربما يكون حلا مؤقتا دون المساس بوحدانية وشرعية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني.
الكل الفلسطيني مستهدف وآمل ان لا نؤكل يوم أُكل الثور الابيض.