الإثنين: 10/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

ما لم يحققة نتنياهو بالحرب يحاول تحقيقة بترامب!

نشر بتاريخ: 09/02/2025 ( آخر تحديث: 09/02/2025 الساعة: 19:17 )

الكاتب:

وائل زبون

ترامب و نتنياهو وغزة: هل يمكن لدولة أن تهب أرضًا لا تملكها؟

في تصريح أثار جدلًا واسعًا، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إسرائيل ستمنح قطاع غزة للولايات المتحدة، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول مدى شرعية هذا الطرح وإمكانية تحقيقه على أرض الواقع. هذا الإعلان لم يكن مجرد زلة لسان أو تعليق سياسي عابر، بل يعكس رؤية أوسع يتبناها ترامب لإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية للشرق الأوسط وفقًا لمصالحه الخاصة وتوجهاته الأيديولوجية التي طالما انحازت بشكل واضح لصالح إسرائيل. لكن ماذا يعني هذا الإعلان في سياق القانون الدولي والتوازنات السياسية؟ وما هي تداعياته على مستقبل القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها؟

نتنياهو وأهدافه غير المحققة

لطالما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تحقيق أهداف استراتيجية في قطاع غزة، تشمل القضاء على حركة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، ومنع أي تهديد مستقبلي من القطاع. ومع ذلك، رغم العمليات العسكرية المتكررة، لم يتمكن من تحقيق هذه الأهداف بالكامل. وفقًا لاستطلاع للرأي نُشر في يناير 2025، فإن 4% فقط من الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب على غزة حققت أهدافها، ما يعكس فشل السياسة الإسرائيلية في فرض إرادتها بالقوة.

إن ما لم يتمكن نتنياهو من تحقيقه عسكريًا، لن يكون ترامب قادرًا على فرضه سياسيًا. فمحاولات فرض حلول تتجاهل الحقوق الفلسطينية والشرعية الدولية لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد والتصعيد في المنطقة. أي تسوية لا تأخذ في الاعتبار الحق الفلسطيني في تقرير المصير مصيرها الفشل، كما أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا.

"منح" غزة للولايات المتحدة: مفهوم عبثي أم مخطط سياسي؟

من الناحية القانونية، يثير تصريح ترامب إشكالية عميقة: كيف يمكن لدولة تحتل أرضًا لا تمتلكها أن "تهبها" لدولة أخرى؟ وفقًا للقانون الدولي، قطاع غزة ليس ملكًا لإسرائيل حتى يكون لها حق التصرف فيه بهذه الطريقة. غزة، بموجب قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف، أرض فلسطينية محتلة منذ عام 1967، ولا يحق لإسرائيل قانونيًا التصرف فيها كأنها ملك خاص.

ورغم انسحاب إسرائيل العسكري من القطاع عام 2005، فإنها بقيت تفرض حصارًا خانقًا عليه وتتحكم في كافة منافذه البحرية والبرية والجوية، ما يجعلها قوة احتلال بحكم الأمر الواقع. أي إعلان بشأن "نقل" غزة إلى الولايات المتحدة يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، الذي يمنع المحتل من التصرف في أراضٍ لا يملكها وفقًا لرغباته السياسية أو الجيوستراتيجية.

علاوة على ذلك، فإن هذا الطرح يثير تساؤلات أخرى: ماذا سيحدث لسكان غزة؟ هل سيتم تهجيرهم قسريًا؟ هل ستُفرض إدارة أمريكية عليهم دون استشارتهم؟ هذه الأسئلة تكشف عن تجاهل تام لحقوق الفلسطينيين، وتعكس رؤية استعمارية جديدة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر صفقات سياسية لا تراعي إرادة السكان الأصليين.

إعادة توطين الفلسطينيين: إعادة تدوير لمشاريع التهجير القسري

لم تتوقف تصريحات ترامب عند الحديث عن غزة، بل امتدت إلى اقتراح توطين الفلسطينيين في دول مجاورة، مثل مصر والأردن. هذا الطرح، رغم أنه قد يبدو جديدًا في صيغته، إلا أنه في الواقع ليس إلا إعادة إنتاج لمشاريع قديمة سعت إلى تصفية القضية الفلسطينية من خلال تهجير السكان الفلسطينيين وإعادة رسم الحدود بطريقة تخدم الاحتلال الإسرائيلي.

توطين الفلسطينيين في دول أخرى يعني عمليًا إنكار حقهم في العودة إلى أراضيهم التي هُجِّروا منها قسرًا عام 1948، وهو الحق الذي تضمنه لهم قرارات الأمم المتحدة، لا سيما القرار 194. كما أن هذه الفكرة تعني الاعتراف الضمني بشرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، ما يسهم في ترسيخ سياسة فرض الأمر الواقع التي تنتهجها إسرائيل منذ عقود.

لكن لماذا يرفض الفلسطينيون والدول العربية هذا المقترح؟

أولًا، لأن توطين الفلسطينيين في دول مجاورة يعني عمليًا محو الهوية الوطنية الفلسطينية وإلغاء حقهم التاريخي في وطنهم. وثانيًا، لأن الدول المجاورة، مثل مصر والأردن، تعاني بالفعل من تحديات اقتصادية وسياسية، ولا يمكنها تحمل أعباء توطين ملايين الفلسطينيين دون أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات داخلية تهدد استقرارها.

إضافة إلى ذلك، فإن التهجير القسري يعتبر جريمة حرب وفقًا للقانون الدولي، وإذا تم فرض هذه الخطة بالقوة، فسيكون ذلك بمثابة تطهير عرقي ممنهج يستهدف الشعب الفلسطيني بشكل مباشر. وبالنظر إلى مواقف مصر والأردن الرافضة لهذا الطرح، يبدو أن الفكرة ستظل حبيسة التصريحات الإعلامية دون فرصة حقيقية للتنفيذ.

البعد الجيوسياسي: تداعيات كارثية على الشرق الأوسط

إذا تم التعامل مع تصريحات ترامب بجدية، فإن ذلك قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التوازنات السياسية في الشرق الأوسط بطريقة غير مسبوقة. فمنح غزة للولايات المتحدة يعني دخول واشنطن كلاعب مباشر في الملف الفلسطيني، وهو ما قد يزيد من تعقيد الصراع، لا سيما أن إدارة أمريكية مباشرة للقطاع ستُنظر إليها على أنها شكل جديد من أشكال الاستعمار، ما قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق للمقاومة الفلسطينية.

إضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام موجة غضب إقليمية، إذ ستُعتبر محاولة جديدة لإضفاء الشرعية على الاحتلال الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين ودون أي اعتبار لحقوقهم. الدول العربية، التي تعاني بالفعل من اضطرابات داخلية ونزاعات إقليمية، لن تكون قادرة على تحمل تداعيات مثل هذه السياسة، مما قد يدفع بعض القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا، إلى استغلال الوضع لتعزيز نفوذها في القضية الفلسطينية، ما سيزيد من حالة الاستقطاب في المنطقة.

كما أن الخطوة ستؤثر بشكل مباشر على علاقة الولايات المتحدة بالدول العربية، لا سيما الدول التي وقّعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل مؤخرًا. فمنح غزة للولايات المتحدة سيمثل ضربة لمصداقية هذه الدول أمام شعوبها، وقد يؤدي إلى تصاعد موجة العداء الشعبي تجاه السياسات الأمريكية والإسرائيلية، ما قد يُترجم إلى احتجاجات واضطرابات سياسية غير متوقعة.

بين التصريحات والواقع: هل هذا الطرح قابل للتنفيذ؟

رغم الضجة التي أثارها تصريح ترامب، إلا أن تنفيذ مثل هذا الطرح يواجه عقبات ضخمة، ليس فقط على المستوى القانوني والدبلوماسي، ولكن أيضًا على مستوى الواقع السياسي. فمن الناحية القانونية، لا تمتلك إسرائيل أي سلطة لمنح أراضٍ لا تملكها، ومن الناحية الدبلوماسية، لن تقبل أي دولة عربية أو حتى المجتمع الدولي بهذه الفكرة التي تنتهك المبادئ الأساسية لحق الشعوب في تقرير مصيرها.

أما على مستوى الواقع، فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بأي خطة تلغي وجودهم الوطني أو تفرض عليهم التهجير القسري. المقاومة الفلسطينية، سواء كانت سياسية أو عسكرية، ستظل العائق الأكبر أمام أي مشروع يسعى لفرض تسويات غير عادلة، وهو ما يعني أن مثل هذه الأفكار ستظل مجرد طروحات إعلامية لا يمكن ترجمتها إلى خطوات عملية على الأرض.

الشرعية الدولية والتحديات القانونية

يثير هذا التصريح تساؤلات أساسية في القانون الدولي حول كيفية تصرف دولة تحتل أرضًا لا تمتلكها بمنحها لدولة أخرى. وفقًا للشرعية الدولية، يُعتبر قطاع غزة أرضًا محتلة منذ عام 1967، وتخضع لقوانين الاحتلال العسكري وفقًا لاتفاقيات جنيف. وبالتالي، لا تمتلك إسرائيل أي حق قانوني للتصرف في أراضي القطاع كما تشاء، ناهيك عن منحها لدولة ثالثة.

يؤكد ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ تقرير المصير، وهو ما يتجاهله هذا الإعلان، حيث يتغاضى عن إرادة الشعب الفلسطيني، أصحاب الحق الشرعي في أرضهم. ومن ناحية العلاقات الدولية، يعكس هذا الطرح محاولة لإعادة صياغة النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وفقًا لمصالح أطراف معينة دون أي اعتبار للحقوق التاريخية والقانونية لسكان المنطقة.

نماذج من الماضي: كيف أفشل الفلسطينيون مشاريع التهجير؟

لم يكن هذا المقترح الأول من نوعه، فقد شهد التاريخ محاولات عديدة لتهجير الفلسطينيين أو القضاء على هويتهم الوطنية، لكنها فشلت بسبب المقاومة المستمرة:

مشروع التوطين في سيناء (1953): رفضه الفلسطينيون والرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأحبطته الاحتجاجات والمقاومة الشعبية.

محاولة التهجير إلى الأردن بعد نكسة 1967: قاوم الفلسطينيون هذه المحاولة من خلال انتفاضات مستمرة، كما رفضها النظام الأردني خوفًا من زعزعة استقرار البلاد.

مشروع الوطن البديل في الأردن (الثمانينات والتسعينات): واجه رفضًا فلسطينيًا قاطعًا وتصعيدًا في المقاومة المسلحة، خاصة خلال الانتفاضة الأولى.

محاولة القضاء على غزة خلال حرب 2008-2024: رغم الدمار الهائل، فشلت إسرائيل في دفع سكان غزة إلى الهجرة، وأثبت الفلسطينيون قدرتهم على الصمود.

ماذا يعني ذلك لمستقبل خطة ترامب؟

ما قاله ترامب بشأن غزة ليس مجرد فكرة خيالية، بل يعكس نمطًا متكررًا من السياسات التي تحاول فرض وقائع جديدة تتجاهل القانون الدولي والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. قد يكون التصريح جزءًا من خطابه الانتخابي أو محاولة لجذب دعم التيارات المؤيدة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، لكنه في جوهره يعكس رؤية استعمارية جديدة تحاول إضفاء الشرعية على الاحتلال عبر طرق غير تقليدية.

السؤال الأهم الذي يبقى مطروحًا: إلى متى سيستمر تجاهل الحقوق الفلسطينية لصالح مشاريع سياسية تهدف إلى خدمة مصالح القوى الكبرى؟ في النهاية، يبدو أن الشعب الفلسطيني، كما كان دائمًا، هو الطرف الأكثر تضررًا من هذه الطروحات، والتي لا تقدم سوى مزيد من التعقيد لمشهد سياسي متأزم أصلًا.

إذا كانت جميع المحاولات السابقة لتهجير الفلسطينيين قد فشلت بسبب المقاومة الشعبية والسياسية، فمن الصعب تخيل أن خطة ترامب ستلقى مصيرًا مختلفًا. الفلسطينيون أثبتوا عبر التاريخ أن أي مشروع يهدف إلى محو هويتهم أو تهجيرهم سيواجه مقاومة شرسة، سواء كانت سياسية أو شعبية وجماهيرية.

إن حديث ترامب عن "منح" غزة للولايات المتحدة ليس إلا تكرارًا لمشاريع استعمارية بائدة، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر والتصعيد. في ظل هذه الحقائق، يبقى السؤال الأهم: هل يتعلم صناع القرار من دروس التاريخ، أم أنهم سيواصلون تكرار أخطائه؟