الإثنين: 10/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

محور الاعتدال قوي وقادر

نشر بتاريخ: 10/02/2025 ( آخر تحديث: 10/02/2025 الساعة: 10:05 )

الكاتب: د. أحمد رفيق عوض



محور الاعتدال العربي مدعو بقوة إلى أن يأخذ زمام المبادرة ، فقد وصلت النار إلى ذقنه كما يقولون ، محور الاعتدال هذا الذي تم إقناعه بأنه مهدد بما يسمى بالجماعات الإرهابية مرة وبالعدوانية الإيرانية مرة أخرى وبأوهام العلاقة مع إسرائيل مرة ثالثة وبمساهمته القيمة في إرساء السلام الإقليمي والعالمي مرة رابعة، يجد نفسه أمام تهاوي ذلك كله ، فالحقيقة أن هذا المحور يطلب منه اليوم المشاركة في مكافأة المحتل مجاناً، والمساهمة في شطب شعب شقيق وشطب دولته أيضاً دون مقابل ، وليس هذا فقط ، بل يطلب منه ذلك بقوة الإجبار والغصب والتهديد، يطلب الآن من محور الاعتدال المقامرة بتركيبته السكانية ومصالحه الوطنية وأمنه القومي من أجل عيون دولة الاحتلال وخدمة لأهدافها القريبة والبعيدة .
محور الاعتدال الآن يحشر في الزاوية ويطلب منه الاختيار ما بين الانحياز للشعب والأرض والتاريخ والقيم وبين الانصياع لأغراض الامبريالية التي توحشت إلى درجة أنها تأكل نفسها أيضاً، فأمريكا الآن تهاجم أوروبا التي لا يشك أحد في أنها ديموقراطية وليبرالية وحداثية كما يشاع دائماً، ولهذا، فإن محور الاعتدال الآن يواجه أعتى موجة من موجات التعصب والتطرف والسلوك العدواني الذي لا يحترم أي شيء، موجة على استعداد للإطاحة بالمحور عن بكرة أبيه دون اهتمام أو أسف.
ولأن الأمر كذلك ، فإن محور الاعتدال مضطر إلى استخدام كل أوراق قوته ومكامن قدراته وعزيمة أعضائه وحزم أركانه. فمحور الاعتدال ليس ضعيفاً كما يصور، وليس مضموناً إلى الأبد كما تعتقد إسرائيل ، وليس كياناً مجرداَ من أسلحته وثروته، فمحور الاعتدال يستطيع التأثير على حركة التجارة والطاقة والغذاء العالمية، ويستطيع ان يتحكم بأسعار الأسهم والنفط والذهب ومعادن أخرى كثيرة، ومحور الاعتدال يستطيع أن يرفع يده عن كثير من السياسات التي انتهجها حتى الآن.
وأعني بذلك أن يعيد هذا المحور النظر في علاقاته مع اسرائيل أولاً، وفي اتفاقيات التجارة والطاقة ثانياً ومواجهة الإرهاب وشروط الاستقرار الإقليمي ثالثاً والسياقات والعلاقات التي تراكمت على مدى عشرات السنين رابعاً.
إن مجرد التغير في شبكة العلاقات هذه ستؤثر على أمن واستقرار اسرائيل وصورتها وعلاقاتها وحرية حركتها في الإقليم وفي العالم. وإذا كان المطلوب هو أن يشارك محور الاعتدال في مساعدة إسرائيل من خلال استقبال المهجرين الفلسطينيين خدمة للاحتلال وأهدافه ، فإن هذا عملياً لا يقود إلى تفجير المنطقة فقط، بل المسّ عميقاً بأمن إسرائيل ذاتها. ماذا يعني هذا!؟ يعني أن ترامب الذي بدا واثقاً من قول "إنهم سيفعلون ذلك" سيتراجع بالتأكيد عندما يعرف أن الضغط على محور الاعتدال أكثر من اللازم سيؤدي إلى انهيار كل اتفاقيات التطبيع والسلام مع العالم العربي كله.
محور الاعتدال الآن، بدأ يدرك أن التطبيع يجب أن ينتهي بدولة فلسطينية وليس بخدمة الاحتلال والانصياع له، كان التطبيع - في أفضل أحواله – محاولة لشراء الهدوء والاستقرار والحماية " وكف الشر"، وليس أن يتحول هذا التطبيع إلى ضريبة تدفع كل حين من أجل فائدة الاحتلال وخسارة دول المحور المتكررة، خصوصاً أن محور الاعتدال يعاني من الفقر والحصار والهشاشة وعدم الاستقرار السياسي، ولهذا، فإن أي محاولة جديدة للضغط عليه ، فإنه سينفجر في وجه المحتل لأن هذا الخيار أفضل من الاقتتال الداخلي أو الحرب الأهلية أو الهزيمة الخارجية والداخلية.
محور الاعتدال قوي بقدرته الكبيرة على تغيير المسارات وإعادة النظر في الأوضاع القائمة وفي تحكمه بالثروات والأسهم والأسواق وفي منحه الإحساس بالأمن لإسرائيل . لهذا كله ، فإن تهجير الفلسطينيين وضم الضفة الغربية المحتلة ودفن حل الدولتين إلى الأبد، رسالة من أسوأ الرسائل إلى العالم العربي والإسلامي. وهو ما قد يقود الجميع إلى البدء من جديد ، وعلى الجميع ان يتذكر أن التهجير عام 1948 أدى إلى ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها وإلى مواجهات في كل الجبهات، وفي حالة تهجير جديد لا سمح الله، فإن حركة التاريخ لن تعود إلى الوراء ، بل ستبدأ من حيث انتهت الأحداث. أعتقد أن فكرة التهجير من أسوأ ما يمكن أن يحدث لإسرائيل.