الإثنين: 10/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

عقود من الادارة الهاشمية الرشيدة لقضايا الشرق العربي

نشر بتاريخ: 10/02/2025 ( آخر تحديث: 10/02/2025 الساعة: 10:39 )

الكاتب: كريستين حنا نصر



يفتخر الاردنيون بذاكرتهم الوطنية ومن ذلك إحياء يوم السابع من شباط ، حيث يرتبط هذا اليوم الوطني الخالد المجيد بذكرى مناسبة الوفاء والبيعة منذ تاريخ 7 شباط عام 1999م، أي الوفاء للمغفور له الملك الباني الحسين بن طلال الذي دام حكمه 47 عاماً، ما بين ( 1952-1999م) ، وتبرز اهمية هذا اليوم في مسيرة الاستمرار وتعزيز الرسالة الهاشمية والمضي قدماً في نهج أرثها السياسي الوطني والقومي والانساني، والمتضمنة وبكل فخر عقود من البناء والمحافظة على النهج الذي اختطه الملك الراحل الحسين رحمه الله، الذي كان استكمالاً لسيرة عطرة وعظيمة في بناء الاردن تقودها جهود ملوك بني هاشم الشرفاء وعبر عقود من العطاء والبذل من عمر المملكة الاردنية الهاشمية.
وهنا وعبر هذه المسيرة يدرك الشعب الاردني أهمية استمرار مسار البناء والتنمية والتقدم، بما تشمله من انجازات على كافة الاصعدة والمجالات، وأهمها بالتأكيد الاعتزاز والولاء المطلق بأننا ننعم بالحكم السديد الرشيد الذي يتولى قيادة عرشه الاسرة الهاشمية الشريفة، التي تتميز بالحكم العادل، هذا الحكم الهاشمي الاسلامي المعتدل الحريص على حقوق كامل الأطياف، وحتى أننا أصبحنا اليوم نفاخر العالم بما نحظى به من الفسيفساء الاجتماعية الوطنية الاردنية باختلاف الاعراق والأديان، وها هي المسيرة الهاشمية ثابتة في نهجها المتميز في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين ، هذا النهج الأصيل الذي يؤسس في الوقت نفسه لولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الامير الحسين بن عبد الله الثاني حفظهم الله، واجلالاً من سموه لمناسبة الوفاء والبيعة نشر سموه صورة لجلالة الملك عبد الله الثاني وأيضاً لجده الملك الراحل الحسين رحمه الله وذلك عبر حسابه على الانستغرام ، وكتب سموه :" رحم الله جدي الملك الحسين الذي ترك لنا إرثا نعتز به.. ومسيرة ستبقى نهجنا في رفعة الأردن الغالي.. ونسأل المولى عز وجل أن يمد في عمر سيدنا ويوفقه في خدمة الوطن ونصرة قضايا الأمة"، وهذه التغريدة العميقة الدلالة تظهر في مضمونها اهمية الربط والترابط الفكري الهاشمي بين الجد الباني الراحل وحفيده وولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني في يوم الوفاء للحسين والبيعة للملك عبد الله الثاني، حيث حرص سموه في هذا اليوم الوطني على زيارة ضريح المغفور له جده الملك الراحل الحسين بن طلال.
فمسيرة الراحل الملك الحسين كانت في جوهرها استكمال لعطاء والده الملك الراحل طلال وجده الملك الراحل عبد الله الأول، نهج متوارث منذ الثورة العربية الكبرى ونهضتها على يد جدهم الراحل الشريف الحسين بن علي رحمه الله، وعلى خطاه المباركة كان تأسيس امارة شرق الاردن عام 1921م على يد الملك (الامير انذاك) عبد الله الأول بن الحسين، والتي أصبحت لاحقاً مملكة اردنية هاشمية مستقلة متطورة وعصرية حتى يومنا هذا ، حيث تميز تأسيسها وادارتها بفكر قومي عربي عميق من جلالة الملك الراحل عبد الله الأول الذي استقطب حوله شخصيات ورجالات عربية وطنية مثقفة ساهمت في بناء المؤسسات والصروح الوطنية، من ساسة وصحفيين كان منهم جدي الراحل خليل فارس نصر المعروف بشيخ الصحافة، ومثقفين وكتّاب ومهندسين وغيرهم ومن عدة أعراق وأديان، فعلى سبيل المثال كان أول رئيس حكومة وطنية اردنية من أصول درزية، وضمت الحكومات المتلاحقة شخصيات وطنية من فسيفساء بلاد الشام، وعياً من جلالته بمفهوم الوحدة العربية التي كان قد نادى بها جده الشريف الحسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى.
وقد حافظ على هذا النهج القومي العربي الوحدوي الملك الراحل طلال بن عبد الله، الذي ساهم في بناء الدولة الاردنية من خلال تشريع وصياغة دستور وطني متميز عصري تعددي، يعتبر في ذلك الزمان ولعقود الاكثر تطوراً على معظم الدساتير في منطقة بلداننا العربية المجاورة، وفي اطار مسيرة التقدم الهاشمية هذه جاءت خطوات ومراحل البناء المهمة في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، وعلى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، حيث كان تأسيس الجامعات مثل الجامعة الأردينة عام 1962م، ومدينة الحسين الرياضية للشباب عام 1964م، وقصر الثقافة عام 1969م ، وعلى الصعيد العسكري تعريب قيادة الجيش الاردني عام 1956م وغير ذلك من المنجزات الوطنية البارزة، واليوم تسير عجلة البناء الوطني وتتقدم وتتطور باشراف وتوجيهات ملكية سامية من جلالة الملك المعزز عبد الله الثاني بن الحسين رعاه الله، هذه التنمية الشاملة في مختلف القطاعات وعلى كل شبر من وطننا الغالي، فزاد عدد المدارس والجامعات والمراكز الثقافية، وظهر تحسن كبير ملموس في قطاع الصحة والخدمات والبنية التحتية، وتطورت الصحافة والاعلام بمختلف اشكاله ، وشهدت المملكة الاردنية في عهد جلالته نهضة عمرانية كبيرة شملت انشاء مناطق تنموية خاصة بما في ذلك المنطقة الاقتصادية الخاصة في العقبة ، وعلى الصعيد السياحي أيضاً مثل اقليم البترا السياحي وغير ذلك من مظاهر التطور والنهضة المتنوعة.
ويستمر جلالة الملك عبد الله الثاني بكل فعالية ونشاط والى جانبه ولي عهده الأمين سمو الامير الحسين بن عبد الله الثاني حفظهم الله، وهنا تدخل المملكة الاردنية الهاشمية مئويتها الثانية والهاشميين على عهدهم بالوفاء والنماء، ومن ملامح هذه المسيرة المباركة مؤخراً التحديث السياسي والتشريعات والقوانين الجديدة التي اثمرت وقادت الى هذا التحديث، وعلى الصعيد الاقتصادي جاءت التحديثات والتشريعات الاقتصادية المتطورة والتي مكنت من استقطاب الاستثمارات الخارجية، التي رافقها سرعة في تخليص الاجراءات وتسهيل عمل رجال الاعمال من المستثمرين، وعلى الصعيد الاداري كانت حالة نشطة من التحديث أيضاً، ومن ملامحها الحكومة الالكترونية الجديدة وتعزيز مشاركة الشباب والمرأة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وفي شتى المجالات، وبشكل متزامن مع منجزات المئوية الثانية للدولة الاردنية بما فيها البرلمان الجديد وبمشاركة واضحة ومهمة من الأحزاب السياسية المتنوعة في برامجها الوطنية حيث تشكل منها البرلمان الاردني ولأول مرة بعد تشريعات وقوانين عصرية ناظمة لها.
الملاحظ اليوم خاصة ضمن نهج وسياسة جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، هو الاهتمام المباشر من جلالته بجيشنا العربي الاردني( القوات المسلحة) ، كذلك الاهتمام أيضاً بمختلف الأجهزة الأمنية باعتبارها درع الوطن وسياجه داخلياً وخارجياً ضد التحديات والاخطار، وقد خصص للجيش والأجهزة الامنية جزءاً كبيراً من موازنة الدولة، بما في ذلك ضمان تحسين مستوى معيشتهم ودخولهم وتمكينهم من تقاعد يكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة، كما شهد الاردن في عهد جلالته نهضة صحية بانشاء مراكز صحية شاملة ومستشفيات مدنية وعسكرية ، والعسكرية على وجه الخصوص منها تأتي لتوفير رعاية صحية لمنتسبي الجيش والاجهزة الأمنية تقديراً لدورهم في حماية الوطن والمواطن وصون حدوده من المخاطر خاصة حدوده مع الدول المجاورة، بما في ذلك خطر تهريب الاسلحة والمسلحين والمخدرات، وعملهم الدؤوب لايقاف جميع هذه التحديات والمخاطر، والى جانب كل ذلك يولي جلالة الملك عبد الله الثاني اهمية بالغة بتزويد الجيش والاجهزة الأمنية بالاسلحة والتجهيزات المتطورة الى جانب توفير التدريب العالي لكافة الوحدات والتشكيلات البرية والجوية والبحرية، ومن بين اهم مراكز التدريب المحترفة على مستوى دولي مركز الملك عبد الله الثاني لتدريب العمليات الخاصة الذي تاسس عام 2009م ، واصبح له سمعة عالمية متميزة .
وقد جاءت جهود جلالته شاملة في عملية البناء والتنمية لتشمل أيضاً تعزيز مكانة الاردن الاقتصادية، خاصة على سلم الأمن الغذائي، فكانت المشاريع الزراعية، والتخطيط الممنهج لايجاد أسواق متنوعة بما فيها الاسواق التابعة للمؤسسة الاستهلاكية المدنية والعسكرية وفي كافة مناطق المملكة، وهذا بغية توفير المواد الغذائية والاحتياجات الاساسية للمواطنين باسعار مناسبة ومنافسة.
ومن أهم مميزات الحكم الهاشمي المتوارث عبر العقود الماضية خاصة في الاردن، هي ميزة الحكم من منطلق الرؤيا الثاقبة والحنكة الدبلوماسية والسياسية القادرة على أجتياز المصاعب والتحديات، وعبر مختلف ما نواجه من الازمات السياسية وبشكل يضمن في المحصلة النجاح في تجاوزها والمحافظة على أمن الأردن ومصالح شعبه ومن مختلف المخاطر التي مرت فيها الأردن منذ عقود طويلة من حكم الملوك الهاشميين، ومن محطات ذلك النكبة الفلسطينية وفترة حكم جمال عبد الناصر ومساعي ما يعرف بجيش الاحرار ومحاولاتهم الفاشلة بزعزعة الاوضاع والتدخل في الشأن الوطني، ولكن الحنكة والدبلوماسية المخضرمة التي يتميز بها جلالة الملك الحسين بن طلال كانت كفيلة في تجاوز هذه المخاطر، خاصة ما عرف عنه من سياسة قادرة على حسن تقييم وموازنة الأمور وفي النهاية النجاح في المحافظة على مصالح المملكة وضمان بقائها قوية صامدة، وهذه الحنكة والحكمة والقدرة على التعامل مع مختلف الظروف والمستجدات ورثها عنه أيضاً جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، الذي يحرص في المضي على درب الراحل الحسين خاصة في اطار تعزيز علاقات الاردن الدولية من خلال الزيارات المكوكية لقادة العالم وعلاقته العالمية المتميزة مع مختلف قادة وساسة الدول، ولا شك أن شخصيته القوية بما في ذلك تمكنه من التواصل بطلاقة باللغة الانجليزية مع الدول الغربية وايصال رسالته لهم بشكل واضح عزز من ثقتهم بمكانة جلالته ، وهي ميزات ورثها جلالته عن والده الرحل الملك الحسين رحمه الله، وهي شخصية وصفات جعلت جلالته قادر على تجاوز الكثير من التحديات التي عصفت بمنطقة المشرق العربي، بما في ذلك فترة سقوط حكم صدام حسين ومرحلة ما يسمى بالربيع العربي التي عصفت بالدول العربية وحولتها للاسف الى خريف عربي دموي نتج عنه في المنطقة حصاد الكثير من الارواح، وحدث بسببه حروب عديدة منها الطائفية والحروب الاهلية التي ادت الى اسقاط العديد من الانظمة العربية، مما أسفر عنه دمار وخراب كبير وجوع واثار اجتماعية واقتصادية عانت منها الشعوب، ومع كل هذه الظروف التي عانت منها المنطقة الا أن الاردن وبفضل دبلوماسية وسياسة وحكمة جلالة الملك عبد الله الثاني استطاع اجتياز وعبور هذه المراحل والتحديات بما فيها مظاهرات الربيع العربي ومحاولات التدخل في الشأن الاردني وزعزعة بنيته والعبث به، فكان وما زال الاردن قوياً صلباً يسير في درب التطور والتقدم .
ان جهود جلالة الملك عبد الله الثاني وحكمته ومكانته الدولية حافظت على الاردن ومصالحه، واستمر الاردن بدوره القومي في دعم القضايا العربية، فعلى صعيد القضية الفلسطينية فجهود الهاشميين متواصلة في مساندة الشعب الفلسطيني ودعمه عبر عقود من محنتهم ومحاولات تهجيرهم بعد النكبة ، فقد استقبل الاردن الكثير من اللاجئين الذين لجأوا الى الاردن طلباً للامان والحماية والمأوى في ظل الحكم الهاشمي ، واليوم في ظل الصراع بين اسرائيل وحماس في غزة فان قوافل المساعدات الاغاثية تتواصل وتستمر من الاردن الى غزة، من اجل اغاثة الشعب الفلسطيني، وتعتبر الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الدرع الذي يحمي المقدسات ويقوم على رعايتها ، وهذا الدور في تاريخه الحديث يعود لعام 1924م وبيعة اهل فلسطين وتاكيدهم على وصاية الشريف الحسين بن علي الذي دفن ويرقد جثمانه الشريف في القدس، ومن بعده كانت الاعمارات من الملك عبد الله الاول شهيد الاقصى عام 1951م، وجهوده معروفة في الدفاع عن فلسطين في حرب عام 1948م وقيامه بوحدة الضفتين عام 1950م، وعلى خطاه كانت جهود الملك طلال والملك الحسين بن طلال رحمه الله الذي أمر عام 1953م بتشكيل لجنة اعمار المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة وفي عام 1988م استثنى جلالته المقدسات في القدس من قرار فك الارتباط الاداري والقانوني بين الضفتين، واليوم يواصل الملك عبد الله الثاني بن الحسين الوصاية والاعمار لهذه المقدسات ودعم اهل فلسطين والقدس، حيث قام جلالته باكمال منبر صلاح الدين الايوبي الذي امر باعادة عمله والده الراحل الملك الحسين ، واعاده الملك عبد الله الثاني لمكانه في المسجد الاقصى عام 2007م، وأمر في نفس العام 2007م بتشكيل الصندوق الهاشمي لاعمار المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة، وفي عام 2013م تم توقيع معاهدة تاكيد الوصاية الهاشمية ، وعلى صعيد رعاية المقدسات المسيحية في القدس واصل جلالته الاهتمام الهاشمي ففي عام 2016م كانت مبادرة جلالته باعادة اعمار القبر المقدس داخل كنيسة القيامة ، وفي عام 2024م كانت منحة جلالته بتذهيب قبة الصخرة المشرفة، وغير ذلك من جهود الرعاية والاعمار من صاحب الوصاية جلالة الملك عبد الله الثاني.
ان مسؤولية الحاكم هي الوفاء لتراث الاباء والاجداد ، كذلك المضي قدماً في عهد البيعة في بناء الوطن وخدمة مصالح شعبه وأمته، وهي مسؤولية عظيمة شاقة خاصة من قبل الملوك الهاشميين الذي عرف كل واحد منهم بالوفاء والعطاء وعلى مدى أكثر من مائة عام في حكم المملكة الاردنية الهاشمية، فجهودهم عظيمة في الحفاظ على أمن الوطن ومكتسباته وتوفير متطلبات الشعب الذي احبهم وبقي على عهد الولاء لهم، وكل هذا العبء الذي تحمله الاردن عبر السنين الماضية من تدفق اللاجئين وعلى عدة مراحل زمنية هرباً من الحروب والنكبات التي اشتعلت في المنطقة، جعل الاردن نموذجاً يقدره العالم ويحترمه لما قدم من رعاية وتوفير الامان لهم، ومع كل هذه التحديات الا ان الاردن بقي وسيبقى قوياً مستمراً بالتطور في مختلف المجالات ، ويمضي بثبات في مسيرته بحكمة ملوك بني هاشم حفظهم الله وحفظ الاردن وطناً وشعباً .