الكاتب: جهاد حرب
أثار إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة غضباً عالمياً ليس فقط لتناقضها مع حقوق الفلسطينيين الجماعية كمجموعة وطنية والحقوق الفردية لمالكي هذه الأرض، أو لعبثها في مقومات الدول العربية وجينتها المتعلقة بالتركيبة السكانية للمملكة الأردنية الهاشمية وبالأمن القومي لجمهورية مصر العربية. بل لتعديها على مبادئ القانون الدولي وأحكامه واعتبارها مقدمة لتغيير قواعد السلوك والعلاقة الدولية خاصة عند ربطها بالتصريحات الأخرى للرئيس الأمريكي "ترامب" حول قناة بنما وغرينلان وكندا وغيرها، حيث يشبه سلوك ترامب إلى حد بعيد تفكير الزعيم الألماني أدلف هتلر من الناحية السياسية الاستعمارية والطباع الشخصية بنرجسيتهما، والاستعانة باليمنيين المتطرفين لتنفيذ أفكارهما.
في المقابل، بالرغم من تطابق خطة الرئيس الأمريكي ترامب لتهجير الفلسطينيين لقطاع غزة مع خطط الحركة الصهيونية تكتيكياً أو إجرائياً، التي تقوم على إفراغ أرض فلسطين من الفلسطينيين سواء كان ذلك بالتهجير القسري بالقوة العنيفة أو ما توصلت إليه الحكومة الإسرائيلية بعد العام 1967 بالتهجير "الطوعي" للفلسطينيين؛ المستند على الضغوطات الاقتصادية والعقبات الحياتية والملاحقات الأمنية للفلسطينيين وزيادة عدد المستوطنين وافلات المستوطنين من العقاب على جرائمهم، بحثاً عن الأمان وعن مستقبل أفضل لأبنائهم.
لكن هذه الخطة استراتيجياً تتجاهل مسألتين رئيسيين هما النمط الاستعماري للحركة الصهيونية التي تريد كامل الأرض الفلسطينية، كما هو الحال مع مفهوم نتنياهو الذي يريد دولة يهودية من النهر إلى البحر، أي أن مقترح "ريفيرا الشرق الأوسط" ينتقص من المساحة الجغرافية لدولة إسرائيل المتخيلة لدى اليمين القومي الإسرائيلي المتمثل بحزب الليكود وحتى الأحزاب المسماة بأحزاب الوسط التي تريد ان يكون هناك نوعا من الحكم للفلسطينيين في الضفة والقطاع مع هيمنة عسكرية أمنية عليها.
كما أن هذه الخطة تتناقض مع مفهوم اليمين الديني الذي يرى بوجود حقوق دينية وتاريخية في هذه الأرض المقدسة، كما هو الحال مع سموتريش وبن غفير، ما يعني انتقاصاً ليس فقط من الجغرافيا بل أيضا من حقوق دينية مستوحاة من العهد القديم، الأمر الذي يخلق تناقضاً سياسياً ودينياً ما بين تصريحات ترامب ومجمل المؤمنين بدولة إسرائيل القائمة من البحر إلى النهر. ناهيك عن التناقض مع أولئك الذين يؤمنون بخيار حل الدولتين.
في ظني أن الجهد العربي الذي تقوم به القيادة المصرية والأردنية والسعودية، التي تمتلك أدوات وقدرات متعددة لتصليب الموقف العربي والدولي، يعد عنصراً هاماً في المواجهة السياسية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذه اللحظة التاريخية الفارقة على المستوى الدولي، وفي ذات الوقت لجم المشروع الصهيوني القائم على تدمير مقدرات القوى العربية الضامنة للأمن القومي العربي والباقية للحفاظ على المنطقة العربية كفاعل سياسي.
لكن استمرار حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي وعدم توحيد الجهود الفلسطينية بل بعثرتها بسبب الخلافات على الحكم والنفوذ والهيمنة والسيطرة لن تمكن الجهد العربي من النجاح في مواجهة الضغوطات الهائلة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، ولن تساعد على استعادة الحقوق الفلسطينية.