الجمعة: 21/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

التحول في الترامبية في المرحلة الثانية

نشر بتاريخ: 16/02/2025 ( آخر تحديث: 16/02/2025 الساعة: 09:38 )

الكاتب: د. رمزي عودة



ينتمي ترامب الى الفكر المحافظ الشعبوي، حيث لديه كاريزما خاصة تؤهله لمخاطبة الجماهير بلغة بسيطة ولكنها ثورية، وقادرة على التأثير على الرأي العام في قضايا كثيرة وحساسة بالنسبة لهم مثل محاربة الفساد، وضبط المال العام، وتحسين التعليم، وتخفيض الضرائب، وغيرها من القضايا. أما بالنسبة للقضية الفلسطينية، فهو يسعى في فترة حكمه الثانية الى حل الصراع أو حسمه ونيل جائزة نوبل للسلام، إضافةً طبعاً الى الحفاظ على أمن اسرائيل باعتبارها محمية أمريكية متقدمة في الشرق الأوسط.
لقد طرح ترامب نظرية الصفقات في المرحلة الأولى لإدارته عام 2017 من أجل حل القضية الفلسطينية، حيث طرح صفقته الشهيرة وهي صفقة القرن، والتي بموجبها ألغى حق العودة وطرح مبدأ تبادل الأراضي أو الضم الجغرافي في إطار مبدأ الازاحة الديمغرافية، كما أنه نزع القدس من الدولة الفلسطينية، التي اشترط مقابل الاعتراف بها شروطاً تعجيزية تجعلها أقرب الى حكم ذاتي موسع، وليس دولة مستقلة متصلة وذات سيادة. وعندما فشلت صفقته أمام صمود الشعب الفلسطيني ورفض قيادته التاريخي لهذه الصفقة، تحول ترامب في المرحلة الثانية لإدارته هذا العام الى مبدأ آخر وهو فرض السلام بالقوة، وهذا ما صرح به مستشاره لشؤون الشرق الأوسط "وتكوف". ويقضي العمل بهذا المبدأ الى جعل السلام حسب المنظور الأمريكي – وهو الذي يتمثل بصفقة القرن- الى أمر واقعي ومستدام وملزم لجميع الأطراف من خلال فرضه بالقوة على الجميع. ومن أجل فرض هذا المنظور أعلنت إدارة ترامب مجموعة من التوجهات السياسية تتمثل بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة وضم الضفة الغربية ووقف منح الأونروا، كما جمدت هذه الادارة منح الوكالة الأمريكية للتنمية USAID في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي مصر والأردن، ولوحت بقطع كافة أنواع المساعدات لهذه الدول.
إن الذي يميز المرحلة الثانية في إدارة ترامب هو تصميم هذه الإدارة على الضغط ليس فقط على الفلسطينيين وإنما أيضاً على الدول العربية، باعتبارها البيئة الحاضنة لصمود الشعب الفلسطيني وقيادته أمام المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية. وهذا التحول ظهر ملياً في لقاء العاهل الأردني الملك عبد الله مع ترامب في البيت الأبيض حينما أصر ترامب على طرح نظرية تهجير الغزيّين في المؤتمر الصحفي الذي لم يكن مقرراً سابقاً. ولكن العاهل الأردني كان ذكياً ودبلوماسياً في ردوده، حينما قال أن هنالك خطة عربية – مصرية سيتم تبنّيها في قمتي الرياض والقاهرة، وستعبّر عن الموقف العربي لتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة ومصالح كافة الدول والشركاء. وتشير التسريبات من القاهرة أن عناصر هذه الخطة ستشتمل على إعادة الإعمار التي تبدأ من الجنوب الى الشمال، إضافةً الى استقبال المرضى والجرحى في عدد من الدول العربية.
في الواقع، إن خطة التهجير للغزيين لا يمكن التقليل من شأنها وخطورتها، كما أنه لا يمكن اعتبارها حدثاً تفاوضياً أو ابتزازاً للمواقف العربية والفلسطينية، فالتهجير كان حاضراً منذ اليوم الأول للحرب على قطاع غزة، ولولا الرفض الفلسطيني والمصري لهذه الخطة التي طرحت على كونها فعلاً مؤقتاً من أجل حماية المدنيين لكان التهجير أصبح واقعاً معاشاً. َإضافةً لذلك، يعتبر إصرار جيش الاحتلال الاسرائيلي على تدمير قطاع غزة وجعله مكانا ًغير قابل للحياة خطوةً ضروريةً في تنفيذ خطة التهجير القسري أو الطوعي في القطاع، ولهذا نجد أن تدمير المباني والمتلكات في مناطق قطاع غزة كان شمولياً، حيث تراوحت نسبته ما بين 90% من هذه المباني في شمال القطاع وبين 70% في الجنوب. ولم تكن الولايات المتحدة بعيدةً عن هذا المخطط للإبادة الجماعية، حيث زودت إدارة بايدن قوات الاحتلال بالاف القنابل الذكية وغير الذكية ذات الأوزان العالية، وذلك يهدف تدمير المربعات السكنية للمواطنين. وبرغم بعض القيود على توريد هذه الأسلحة التي فرضتها إدارة بايدن نتيجةً لإرتفاع منسوب المظاهرات الشعبية التي تطالب بوقف هذا العدوان، الا أن إدارة ترامب ألغت هذه القيود، بل إن بعض التسريبات، تشير الى أن فريق ترامب الانتخابي نسق مع ادارة نتنياهو حول خطة التهجير منذ شهر أغسطس الماضي، أي حتى قبل ان يتأكد فوز ترامب في الانتخابات، فوفقاً لتقرير نشرته مجلة "تايمز أوف اسرائيل"، فإن خطة التهجير وإعادة الإعمار قدّمت في دارسة لفريق ترامب في أوائل شهر يوليو الماضي من قبل جوزيف بيلزمان الاستاذ بجامعة جورج واشنطن باعتباره خبيراً في الاقتصاد والعلاقات الدولية ورئيس مركز التميز للدراسات الاقتصادية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الجامعة.
وأخيراً، أكاد أجزم بأن مواجهة الترامبية في مرحلتها الثانية لا يمكن أن تكون فلسطينية خالصة تماماً كما كان الحال عليه في المرحلة الأولى من الحكم حينما طرح ترامب صفقة القرن. في الواقع، يجب أن تكون خطة المواجهة عربية بالأساس. ولهذا، فنحن نعول على اجتماع القمة الخماسي في الرياض والذي يضم الى جانب العربية السعودية مصر والأردن وقطر والامارات. كما نعول على مؤتمر القمة العربي الذي سيعقد في القاهرة في 27 فبراير الجاري. فمن الواضح بأن قرارات هذه القمم يجب أن تخرج من إطار الشجب والإدانة والتأكيد، حيث يجب أن تطرح برامج عملياتيه لمواجهه فكرة التهجير من خلال تطوير نماذج للضغط الاقتصادي على الولايات المتحدة، وتجميد اتفاقات أبراهام، وإعادة إعمار قطاع غزة، وإنشاء صناديق عربية لتعزيز صمود مصر والأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية.