الكاتب: بسام زكارنه
يواجه العديد من خريجي الجامعات الفلسطينية مشكلة خطيرة تهدد مستقبلهم الأكاديمي والمهني، وهي عدم اعتماد وزارة التعليم العالي لشهادات تخرج الطلاب الذين حصلوا على معدل أقل من 65% في امتحان الثانوية العامة، حتى لو تخرجوا من جامعات معترف بها عالمياً بمعدلات جامعية مرتفعة ، هذه السياسة غير العادلة تتناقض مع أسس التعليم العالي وتُعرقل فرص الآلاف من الطلاب الذين أثبتوا جدارتهم أكاديمياً ، مما يستدعي إعادة النظر في هذا القرار .
تناقض مع فلسفة التعليم العالي
التعليم العالي قائم على تطوير المهارات وتعزيز الكفاءات، وليس مجرد امتداد لنتائج امتحان واحد خاضه الطالب قبل سنوات ، فالطالب الذي قُبل في جامعة مرموقة، ونجح في إتمام دراسته الجامعية بمعدل مرتفع، يُثبت كفاءته الأكاديمية بمعايير أكثر دقة وعدالة من نتيجة امتحان التوجيهي الذي قد يكون تأثر بعوامل وظروف مختلفة.
المعايير العالمية في الاعتراف بالشهادات
في معظم دول العالم، يعتمد الاعتراف بالشهادات الجامعية على الاعتراف بالمؤسسة التعليمية نفسها جامعة او معهد وليس على معدل الطالب في الثانوية العامة ، فالجامعات تُقيّم الطلبة وفقاً لأدائهم الأكاديمي خلال سنوات دراستهم الجامعية، وليس بناءً على نتيجة اختبار وحيد يُجرى في ظروف معينة او سن مبكرة ، فلماذا تصر وزارة التعليم العالي الفلسطينية على تطبيق معيار يخالف التوجهات العالمية؟
الظلم الواقع على الطلاب المتميزين أكاديمياً
هناك العديد من الطلاب الذين لم يحققوا معدلات مرتفعة في الثانوية العامة، لكنهم تفوقوا في الجامعة وتخرجوا بمعدلات عالية تصل إلى 85% أو 90%، بينما هناك آخرون حصلوا على معدلات 90% في الثانوية لكنهم لم يحققوا نفس النجاح في الجامعة ، فكيف يتم الاعتراف بشهادات بعض الطلاب الذين قد يكونون أقل كفاءة علميا ، بينما يُرفض الاعتراف بشهادات طلاب أثبتوا جدارتهم؟
التأثير السلبي على سوق العمل والاقتصاد الفلسطيني
قرار الوزارة يحرم سوق العمل الفلسطيني من كفاءات مؤهلة في مختلف التخصصات، مما يؤدي إلى هجرة العقول بحثاً عن الاعتراف بشهاداتهم في دول أخرى ، كما أن العديد من الطلاب الذين يدرسون في جامعات خارج فلسطين يُفاجَؤون بعدم الاعتراف بشهاداتهم عند عودتهم، رغم أن هذه الجامعات تحظى باعتراف عالمي، مما يزيد من عزوف الشباب عن العودة للوطن.
تناقض في تطبيق القرار: ماذا عن الخريجين السابقين؟
من اللافت أن هذا القرار لم يكن معمولًا به في السابق، حيث أن هناك العديد من الخريجين الذين حصلوا على معدلات أقل من 65% في الثانوية العامة، لكن الوزارة اعترفت بشهاداتهم الجامعية، بل إن منهم اليوم أطباء ومهندسون ناجحون يعملون في مؤسسات مرموقة داخل فلسطين وخارجها.
إذا كان هؤلاء قد أثبتوا نجاحهم في سوق العمل، فلماذا يتم منع خريجي اليوم من الاعتراف بشهاداتهم رغم أنهم اجتازوا نفس المسار الأكاديمي وحققوا نفس الإنجازات؟ إن هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى عدالة القرار، ولماذا يتم فرضه بأثر رجعي على الطلبة الجدد بينما تم الاعتراف بمن سبقوهم؟
ظروف خاصة تؤثر على معدل الثانوية العامة في فلسطين
الواقع الفلسطيني يفرض ظروفاً صعبة على الطلاب أثناء تقديم امتحانات الثانوية العامة، مثل الاجتياحات العسكرية، ومنع التجول، والاعتقالات، والإصابات، وفقدان أحد أفراد الأسرة، وهي عوامل قد تؤثر على أداء الطالب في امتحان التوجيهي ، ومع ذلك، يتجاوز بعض الطلاب هذه التحديات ويتفوقون في دراستهم الجامعية، فهل من العدل أن يتم معاقبتهم على ظروف خارجة عن إرادتهم؟
ضرورة فتح حوار شامل حول القرار وتقييم انعكاساته
إن اتخاذ قرارات مصيرية تمس مستقبل الآلاف من الطلاب يجب أن يكون مبنياً على أسس علمية، ويأخذ في الاعتبار كافة الجوانب الأكاديمية والاجتماعية والاقتصادية ، لذلك، من الضروري:
1. فتح حوار جاد مع الطلبة المتضررين وأولياء أمورهم للاستماع إلى معاناتهم وتقييم تأثير القرار على مستقبلهم.
2. إشراك الجامعات الفلسطينية في النقاش باعتبارها الجهات الأكاديمية المسؤولة عن تقييم أداء الطلبة وتحديد مدى جاهزيتهم للعمل بعد التخرج ، الجامعات هي الأقدر على تحديد معايير النجاح، ولا يجوز تجاوز رأيها في مثل هذه القرارات المصيرية.
3. إشراك خبراء التعليم العالي وعلماء النفس التربويين وأصحاب العمل في نقاشات موضوعية حول مدى عدالة هذا القرار وتأثيراته على جودة التعليم وسوق العمل.
4. تشكيل لجنة مستقلة لإعادة تقييم القرار استناداً إلى تجارب الدول الأخرى، ومعايير الاعتراف العالمية بالشهادات الجامعية.
5. إجراء دراسة ميدانية حول انعكاسات القرار على فرص تشغيل الخريجين وتأثيره على الاقتصاد الفلسطيني، وهل يؤدي بالفعل إلى تحسين جودة الخريجين أم أنه مجرد إجراء إداري غير مدروس؟
الحلول المقترحة
بدلاً من رفض الاعتراف بشهادات هؤلاء الطلبة، يمكن للوزارة الغاء القرار او اعتماد حلول أكثر إنصافا ، مثل:
1. الاعتراف بالشهادات الجامعية بناءً على الاعتراف بالجامعة نفسها، كما هو معمول به في معظم دول العالم.
2. السماح للطلبة الخريجين بتقديم اختبار كفاءة أو مقابلة لتقييم قدراتهم، بدلاً من رفض شهاداتهم بناءً على معدل التوجيهي فقط.
3. إعطاء الجامعات الفلسطينية صلاحية التوصية بقبول شهادات طلابها بناءً على أدائهم الأكاديمي الجامعي.
دعوة لمراجعة القرار
إن استمرار العمل بهذه السياسة المجحفة يحرم آلاف الطلبة من حقهم في استكمال مسيرتهم المهنية والأكاديمية، ويشكل عائقًا أمام تطور التعليم العالي في فلسطين ، لذلك، يجب على وزارة التعليم العالي مراجعة هذا القرار وتصحيحه بما يخدم مصلحة الطلبة، ويعزز من جودة وكفاءة الخريجين الفلسطينيين في سوق العمل المحلي والدولي.
إذا كان الهدف هو تعزيز التعليم والارتقاء بمخرجاته، فإن أول خطوة لتحقيق ذلك هي إعطاء كل طالب حقه بناءً على أدائه الجامعي، وليس على نتيجة امتحان خاضه في مرحلة مختلفة من حياته.