الخميس: 20/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

الكويت: حنين في الذاكرة

نشر بتاريخ: 17/02/2025 ( آخر تحديث: 17/02/2025 الساعة: 13:01 )

الكاتب: رامي مهداوي

كثيرة هي أفلام "هوليوود" التي ناقشت موضوع آلة الزمن التي يتم إرسالنا من خلالها الى الماضي أو/و الحاضر، عندما وصلت الى ديرتي بلدي الثاني الكويت تمنيت أن هذه الآله موجودة على سبيل المثال في المتحف العلمي الكويتي كي تُرسلني الى الزمان والمكان الذي ولدت به لأعيش طفولتي من جديد!!

عندما هبطت الطائرة في مطار الكويت، شعور غريب عصف في كل مكوناتي "أنا" ابن المغتربين مرعب وبسيمة الذين جاؤوا الى الكويت مثل ما يقارب 450 الف فلسطيني كانوا في الديرة. شريط من الذكريات المختلفة تعصف في ذاكرتي: مدرسة الزهراوي، الكشافة، ماما أنيسة، نادي العربي، عمي عطا، خالي خطاب، حديقة الحيوانات، جزيرة فيلكا، الفرروانية، خالد الحربان، افتح يا سمسم، الأمير جابر الصباح، الشيخ فهد الصباح، 25 فبراير، الواجهة البحرية، الأبراج، الخبز الإيراني، الجمعية التعاونية، مطعم كناري، مستشفى الأميري، الشبرة، سمك الزبيدي، نادي الفروسية، البر، مجلة ماجد، أرض المعارض، صحيفة القبس، طفولة إخواني فادي ومحمد، مسرحية باي باي لندن، نبيل شعيل وعبدالله رويشد وعبدالكريم عبد القادر.......

مشاهدة كثيرة أبناء الجيران "والطوش" والحارات، أبي الذي كل ما وجد أي فلسطيني يقول لي " سلم على ابن بلدك؟؟" أُسلم عليه ليعرفني بأنه من ترقوميا قضاء الخليل؟! أو من قلقيلة أو طوباس، لأسأله بعد ذلك "يابا هذه مش من قريتنا شويكة قضاء طولكرم" ليكون رده بشكل حازم " كم مره بدي أحكيلك... أي واحد من فلسطين هوي ابن بلدك... فاهم!!؟"

أما المعلمة إمي، فكنت أشاهدها وهي تتعب وتحضر في منزلنا بشكل شبه يومي لتعليم تلاميذها من خلال تصليح دفاتر، تحضير وسائل تعليمية، تقييم الإمتحانات، الرحلات التعليمية، كانت مثال للمعلم الفلسطيني الذي أعطى كل ما لديه من أجل زراعة أجيال عربية وكويتية يحتاجها المستقبل!!

نعم أنا الآن في مستقبل الكويت، صراع العمران الحداثي مع المباني القديمة التي كانت جزء من ديمومة التطور والحضارة، هل الماضي عبارة عن ذكرى إنتهت؟! سأحاول إستحضار الذكرى لأهرب من الحاضر الذي أجهله، أشاهد المنازل الكويتية لأجد نفسي أغني الأهازيج والأناشيد الشعبية : قرقاعون عادت عليكم يالصيام.. عطونا الله يعطيكم..بيت مكةيوديكم.. يا مكة يا المعمورة.. سلم ولدهم يا ألله.. خليه لأمه يا ألله.. يجيب المكده ويحطها.. بحضن إمه.. ياشفيع الأمة.. عسى البقعة ما إتخمه، ولا توازي على أمه. ..قرقيعان وقرقيعان.. بين اقصير ورميضان.. عادت عليكم صيام.. كل سنة وكل عام..

في المدارس، كنا نتشارك أحلامنا البسيطة ونرسم مستقبلنا بأقلام الرصاص في دفاتر المدرسة الحكومية. لم تكن التكنولوجيا قد غزت حياتنا بعد، بل كانت ألعابنا في الساحات الرملية وعلى الأرصفة، حيث كانت "الدوامة" و"البنانير" جزءًا لا يتجزأ من طفولتنا.

في زيارتي للكويت، شعرت بمزيج من الحنين والدهشة. عندما تجولت في أسواق المباركية، وجدت أن رائحة العطور والبخور لا تزال تحمل عبق الماضي، بينما البضائع المتنوعة تشير إلى انفتاح السوق على العالم. استوقفتني الأحاديث الدافئة بين الباعة والزبائن، رغم تسلل التكنولوجيا إلى كل زاوية.

زيارة شاطئ السالمية أعادت لي ذكريات الغوص واللؤلؤ، ولكنني وجدت الممشى الحديث مزدحمًا بالزوار من مختلف الجنسيات، يعكس الطابع العالمي للكويت اليوم. كما أنني شهدت في مجمع الأفنيوز نمط الحياة العصري، حيث التسوق الإلكتروني أصبح جزءًا من الثقافة الجديدة.

إن الكويت اليوم تعيش توازنًا بين ماضيها العريق وحاضرها المتجدد. فالثمانينات كانت فترة التأسيس المجتمعي والهوية الوطنية المتماسكة، بينما يمثل الحاضر استمرارية تلك القيم في ظل التغيرات العالمية.

الكويت ليست مجرد أرض وسماء، بل ذاكرة مشتركة بين أجيال تروي حكايات الزمن الجميل، وتُضيف لها سطورًا جديدة كل يوم. ويبقى السؤال: هل تستطيع الأجيال الجديدة أن تحتفظ بوهج تلك الذكريات وسط زحام الحداثة؟.