الكاتب:
محمود حيدر
تضغط حالة عدم استقرار الأوضاع في سوريا، وتحولها إلى ساحة تعج بالحركات والجماعات المسلحة المختلفة، وتسحب من رصيدها كقضية عربية مركزية.
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية حاليًّا ومقترحات التهجير الخطيرة التي تسعى لتصفية القضية، فإنَ هذه التحديات تتزايد من خروج سوريا من صف الدعم، إلى صفوف المتفرجين مع الإدارة الجديدة الانتقالية في دمشق.
بعد حالة النشوة العامة دوليا وإقليميا بسقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر على يد هيئة تحرير الشام وفصائل متطرفة، ذهبت السكرة واتضحت المواقف، بتخلي الإدارة الجديدة برئاسة أحمد الشرع عن دعم القضية الفلسطينية، خلافا لتاريخ سوريا الداعم للفلسطينيين وحقهم في تقرير المصير.
فرحة الخلاص من نظام مستبد لا تعني إغفال المخاطر المحدقة التي باتت تهدد مستقبل سوريا وشعبها، خاصة مع سيطرة جماعات متطرفة على أجزاء واسعة من البلاد، وهذا الواقع الجديد يثير تساؤلات مقلقة حول مصير سوريا، وأثر هذه التحولات على القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها.
*القطيعة مع حقوق الفلسطينيين *
أول خطوة اتخذتها حكومة الشرع لإعلان القطيعة مع فلسطين وقضيتها، بعد سيطرة الجماعات المتشددة على حكم سوريا كانت بإعلان إغلاق مكاتب الفصائل الفلسطينية في دمشق، في خطوة تعكس توجها غير مفهوم تجاه القضية الفلسطينية، خصوصا في ظل تجاهلها الفعلي لمعاناة الفلسطينيين.
*أصداء سلبية*
مع تصاعد روح الانتقام والتشدد التي تسيطر على سوريا مع الإدارة الجديدة، فإن هذا التهديد للنسيج الاجتماعي والطائفية يؤثر بشكل أو بأخر على الداخل الفلسطيني، نتيجة الروابط الاجتماعية بين السوريين والفلسطينيين.
الكاتب والمحلل الفلسطيني، فراس ياغي، في مقال له تحت عنوان " سوريا ما بعد الأسد وانعكاساتها على القضية الفلسطينية" بموقع "وطن" الإخباري، يرى أن هذه الانقسامات ليست بعيدة عن الداخل الفلسطيني، الذي يشترك مع سوريا في تشكيلات طائفية وديموغرافية متشابهة إلى حد التداخل.
وحذر ياغي من أنه: "إذا استمرت هذه الفتن الطائفية في سوريا، فقد تجد صداها السلبي داخل مجتمعنا الفلسطيني، مما يُهدد وحدته الوطنية، التي هي ركيزة أساسية في مواجهة إسرائيل للحصول على الحق الفلسطيني".
وتمثل الاعتداءات الممنهجة على مكونات المجتمع السوري، وإحياء النزعات العنصرية والبعد عن الوطنية في مقابل "أسلمة" المواقف، تُهدد بطمس هذا نموذج التعايش وإعلاء قيم الوطنية، ما يعني انعكاسات طويلة الأمد على استقرار المنطقة، بما فيها فلسطين.
*طمأنة إسرائيل"
تجاهلت الفصائل المسلحة في سوريا أن منطقة الشام، عُرفت تاريخيًا بوحدة الصف ودعم حق الحقوق العربية خاصة حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتقرير مصيره.
.
وكعادة الجماعات المتطرفة من التجارة بالدين، واللعب على وتر العواطف الدينية للشعوب لكسب التأييد، تنصل الشرع الذي يقود هيئة تحرير الشام الحاكمة في سوريا، من تصريحاته السابقة التي تظهرها فيديوهاته القديمة بأن "فلسطين هي التي وجهته نحو الجهاد"، ودعوته لنصرة فلسطين وقضيتها العادلة.
وبعد الوصول لحكم سوريا غابت فلسطين عن أحاديث "الجولاني" الرئيس، وعلى استحياء قال في تصريحاته خلال مقابلة في مقابلة مطولة مع بودكاست "the rest is politics" مع الصحافي البريطاني أليستر كامبل إنه "يعتقد" أن مخطط ترامب للتهجير لن ينجح.
*التحلل من "عبء فلسطين"
حسب معهد دراسات الامن القومي في إسرائيل، فإن الشرع يحاول إظهار صورة واقعية ومعتدلة تظهر أيضا في تصريحاته حول إسرائيل.
وفي عدة مقابلات إعلامية تحدث الشرع عن إسرائيل بطريقة حذرة ومنضبطة، وأكد أن سوريا ليست مهتمة بالصراع مع إسرائيل بل بإعادة بناء البلاد.
وبات من الواضح وعلنا تنصل الحكم الجديد في دمشق من الدعم التاريخي السوري للقضية الفلسطينية، ومتحللا مما تعتبره الإدارة الجديدة في سوريا "عبء القضية الفلسطينية".
وتسعى تركيا لاستغلال الفوضى السورية لتحقيق مطامعهما الإقليمية،.فتواصل دعمها للفصائل، مما يُثير الشكوك حول أهدافها الحقيقية من دعم الشعب السوري في تحقيق حريته وبناء دولته، وتركز تركيا على تعزيز نفوذها الجيوسياسي، وهو ما يتقاطع مع الدور القطري المشبوه في تمويل وتسليح الجماعات المسلحة، التي تحولت إلى أداة لزيادة الانقسام في سوريا والمنطقة.
ويرى الكاتب الفلسطيني، فراس ياغي، أن القضية الفلسطينية، التي عانت لعقود من الانقسامات، هي درس واضح على ضرورة تجاوز التطرف والمتطرفين، مضيفا: "ما يحدث في سوريا يُذكّرنا جميعًا بأن معركة الحرية لا تنفصل عن الحاجة للحفاظ على النسيج الاجتماعي، والعمل على مشروع وطني جامع يحمي الأرض والشعب من كل تهديد داخلي أو خارجي".