الجمعة: 21/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية

نشر بتاريخ: 20/02/2025 ( آخر تحديث: 20/02/2025 الساعة: 15:03 )

الكاتب: جهاد حرب


الجدل الفلسطيني حول مطالبات إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، على إثر انعقاد "المؤتمر الوطني الفلسطيني بالعاصمة القطرية الدوحة" ليس أمراً جديداً في التاريخ الفلسطيني، حيث أخذت منحنيات تصاعدية عنفيه أحيانا، ونقاشات في الغرف المغلقة أحيانا، وفي أحيان أخرى ذات منحنى مطالبي راجت في وسائل الإعلام وفي هيئة احتجاجات وغيرها.
في ظني أن المشكلة ليست في المطالبات أو في المؤتمرات أو الرد والرد المقابل، إنما في تحول المنظمة من وسيلة (أي جبهة وطنية من أجل التحرير وإقامة الدولة) إلى هدف× فمفهوم الفلسطينيين لإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية قائم على المحاصصة "الشراكة" والانتخابات "التي لن تتحقق لعوامل ذاتية وموضوعية"، وفقاً لوثائق اتفاقيات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية على مدار العشرين عاماً الفارطة، كعنصرين مركزيين.
تظهر وثيقة إعلان الاستقلال أنّ الغاية من النضال الفلسطيني هي الوصول إلى إقامة دولة ديمقراطية على حدود الرابع من حزيران 1967 تضم الفلسطينيين كافة دون الانتقاص من الانتماء أو الحبل السري للعلاقة الخالدة بالوطن والرابطة القانونية بالدولة، فيما منظمة التحرير الفلسطينية "الوسيلة" تبقى وطناً معنوياً لجميع الفلسطينيين وتتحول وظيفتها من سياسية تعنى بالتمثيل السياسي؛ وهي المتبقية اليوم، إلى الرابط أو حلقة الوصل بين الفلسطينيين في الشتات وبين الدولة ومؤسساتها. وفي هذا السياق جاء إعلان المجلس الوطني قراره عام 1988 بكون اللجنة التنفيذية تقوم بمهام حكومة دولة فلسطين مؤقتاً إلى حين تشكيلها، وهو مودع كوثيقة في الأمانة العامة لهيئة الأمم المتحدة بموجب رسالة مقدمة من ممثل منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك زهدي الترزي.
جرى التحول الأعظم لدى الفلسطينيين، على إثر رفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 19 /67 الصادر في 26 تشرين ثاني/ نوفمبر 2012، حيث تم اتخاذ عدد من الخطوات لتجسيد عملية الانتقال من المنظمة "الوسيلة" إلى الدولة "الهدف" على مدار الثلاثة عشر عاماً الفارطة، هي؛
• استبدال اسم "السلطة الوطنية الفلسطينية" بدولة فلسطين في المؤسسات الفلسطينية الرسمية، ومن ثم شطب كلمة رئيس السلطة الوطنية من توقيع الرئيس على القرارات بقوانين والمراسيم والقرارات الرئاسية وتذيلها برئيس دولة فلسطين ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
• إصدار القرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 تعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007م بشأن الانتخابات العامة الذي نص على انتخاب رئيس دولة فلسطين من الشعب الفلسطيني، حيث تنص المادة 3 من القرار المعدل لسنة 2021 على "تعدل المادة (2) من القانون الأصلي، لتصبح على النحو التالي: يصدر رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مرسوماً رئاسياً، خلال مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل تاريخ انتهاء مدة ولايته أو ولاية المجلس التشريعي، يدعو فيه لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية أو أيّ منهما في دولة فلسطين، ويحدد فيه موعد الاقتراع، وينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية، ويعلن عنه في الصحف المحلية".
• قرار المجلس المركزي بدورته الحادية والثلاثين المنعقدة في بتاريخ 6-8 شباط/ فبراير 2022 القاضي بـ"ضرورة مواصلة العمل على تكييف الوضع القانوني لمؤسسات الدولة الفلسطينية وعلاقاتها الدولية تنفيذاً لقرار الجمعية العامة رقم 19/67 للعام 2012" الخاص برفع مكانة فلسطين إلى دولة مراقبة في الأمم المتحدة. وبضرورة ممارسة المجلس المركزي لصلاحياته الدستورية وولايته الرقابية على الجهات التنفيذية في المنظمة وأجهزتها ومؤسساتها، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية وعمل الاتحادات والنقابات والجمعيات وفق القوانين التي تنظم عملها.
• قرار الرئيس الفلسطيني بتاريخ 11/4/2022 القاضي بـ"وضع الأمانة العامة للمجلس التشريعي ومكوناتها ومرافقها كافة تحت مسؤولية رئيس المجلس الوطني".
• المرسوم الرئاسي بشأن توجه رئيس دولة فلسطين وأعضاء القيادة الفلسطينية إلى قطاع غزة الصادر بتاريخ 21/8/2024، الذي كلف اللجنة المشكلة بموجب المرسوم في البند الخامس من المادة الثالثة للمرسوم "وضع الآليات للخطوات الملموسة باتجاه تجسيد دولة فلسطين والإعلان الدستوري والمجلس الانتقالي".
في ظني أن الحديث عن إصلاح الوسيلة في ظل وجود الدولة المعترف بها من قبل 140 دولة، حيث يصبح كالحديث عن اصلح المركبة القديمة المتهالكة التي لم يعد لها أهمية عند وجود المركبة الحديثة، وفي أحسن الأحوال يتم إصلاح باتجاه تغيير طريقة عملها أو مهامها باعتباره أداة تكميلية مساعدة في شأن المنزل "الوطن"؛ فتكلفة الإصلاح هنا أكثر من إحداث التغيير المطلوب المتمثل بالإعلان عن حكومة دولة فلسطين بما ينسجم مع قرار المجلس الوطني العام 1988، ومع الإرادة السياسية المتمثلة بالتحول من مؤسسات السلطة الفلسطينية "أداة منظمة التحرير في إدارة الحكم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفقاً لاتفاق أوسلو" إلى مؤسسات الدولة.
هذا الأمر لا يلغي تخوف البعض من هذا الانتقال؛ لأسباب تتعلق بمكانة منظمة التحرير الفلسطينية الذي اعترفت به الحكومة الإسرائيلية في رسائل الاعتراف في آب/ أغسطس 1993 بأنّها ممثلة للشعب الفلسطيني لكن هذا الاعتراف لم يعد له معنى بعد تدمير إسرائيل لجميع الالتزامات القائمة في الاتفاقات الموقعة.