الأحد: 23/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

في وداع سلطان الأفئدة ...

نشر بتاريخ: 23/02/2025 ( آخر تحديث: 23/02/2025 الساعة: 12:14 )

الكاتب: يونس العموري

يا سلطان الكلام والفعل ....

ربما يحق لنا أن نتوجه إليك اليوم أكثر من أي وقت مضى سيدي.... ومن حقك علينا أن نُسمعك شيئا مما يختلج في قلوبنا وعقولنا وذواتنا.. بعد أن حطمنا رمزنا... وتاهت بوصلة بنادقنا هنا في حاكمية حكم السراب ... وتلعثمنا بلغة الكلام الفصيح الصريح... وأصبحت لغتنا ركيكة لا ترقى لمستوى تراثنا وفعلنا ودماء شهدائنا.. وأنات ومعاناة آسرانا... وبعد أن صار لنا إمارة هناك وحاكمية هنا... وأمراء منشغلون بالبحث عن مفردات الردح والقدح والذم .. وبعد أن سقط القتلى برصاص بنادقنا المتعاكسة الاتجاه والمتربصة بالحواري البائسة الضيقة حواري المخيمات كونهم يقفون ضد ما يسمى بالمشروع والمشروع هنا يسمي بالوطني ... ولا ندري إن كان لنا الحق بأن نسميهم... قتلى ام شهداء... فقد ضاعت مفردات ومفاهيم معانينا وسط خربشات بياناتنا الفاقدة لمضامينها هذه الأيام....

يا سيد اليوم والأمس والغد .. ونحن نتمترس في مشهد الوداع الأخير نكاد لا نصدق وننتظر ان اطلالة المشهد علينا من جديد ، يا سلطان الكلمات ، كنت حينما تتطل وتحكي أقاصيص وحكايا قصة الإنسان بالمقاومة وكيف له أن يصنع نصره بالقليل من الإيمان بحقيقته.... يلح علينا السؤال من جديد... وحينما تسمي قرى الجنوب نهتف ولقرانا أيضا مسميات... وننتظر أيضا من يسميها... فمارون الراس وبنت جبيل سطرت معانيها وجنين أيضا وطولكرم وجباليا وخانيونس كانت لهم بالمرصاد وسطرت حكاياها... ومثلما غنيت لعيتا الشعب كانت أغانينا وأهازيج فرحنا تغني وإياكم على وقع خطاكم...

شاهدنا انكسارهم وقرأنا معنى انهزامهم بعيونهم فللمهزوم لغة أخرى وللمكسور تعبيرات نعلمها ونعرفها ونفهمها... ضربونا وأوقفونا بالساعات لأنكم انتصرتم... وحاولوا أن ينتزعوا فرحنا وأن يقبضوا علينا ونحن مبتهجون ونمارس بجرم الفرح المحذور... وما هي إلا أيام حتى وجدنا أنفسنا نسافر بكل الاتجاهات نبحث عن تواقيع خطاكم على أرضنا، وكنا إن شاهدنا وقع خطاكم على هذه الأرض التي تستحق أن نحيا فوقها وأن نسميها باسمها وأن نعيش وإياها فرحتها... كل هذا عايشناه والكثير غير المعلن أيضا خبرناه... ومارسنا أقصى درجات العزة والشرف ومن غيرنا يعلم ويعرف كيف من الممكن أن نمارس عزتنا وفرحنا وسط كل خرابات المعبد وتدمير الأحلام ونحن بالقدس قابعين منتظرين البشارة من جديد....

وقد أتتنا البشارة.. بهذه الأيام نعيش بشارتنا من جديد، ونعايش بشارة خفافيش الليل الذين يأبون إلا أن يسطون على أحلامنا ليوقظونا على مشهد ذبحنا من الوريد للوريد وعلى إعادة صلبنا من جديد، وقد صرنا أسرى لخلافات تناقضات زعامات القبائل فينا وضاعت معاني فرحنا بنصركم ونصر رجال الله هناك بعاصمة الفقراء ... وبكثير من الخجل والخزي أوقفنا فرحنا لهذه العام.. وعلقنا مشانقنا من جديد بانتظار مذابحنا الآتية والقادمة على أيدي القتلة الجدد.....

هو نقاشنا الدائم... وبحثنا الذي لا ينتهي... وفعلنا المتواصل منذ أن صار لنا حياة على هذه الأرض.. ومنذ أن سُميت فلسطين بفلسطين... والقدس قبلة صلواتكم ... وقد أمطرت لوضوئكم... وتكبيرات مساجدها تصدح بمواقيتها... وأسوارها صامدة لا تنكسر... ولا تنهدم ولن تنهدم فحراس احلامها لا ينامون... وأجراس الكنائس تقرع وموسيقاها تطرب أذاننا.. والطريق إلى الجلجلة ما زال طويل، والسائرون على خطاهم الأولى ما زالوا يمعنون بالمسير، ودرب الآلام يعبق بروائح الأولين ... وسنبقى منتظرين لعبوركم ولعبور من يعتلي تلة تنتظر علمها...

بعد ان اعتلى وسط المشهد العظيم بالأمس وسيطر على الأفئدة والحناجر تصدح بأنشودة الوطن منذ الالاف السنين ... ويبدو حزينا لا يرفرف بحاكمية رام الله... وسؤالنا هو.. هو.. لم يتغير... أأنعم بحرية الطير المحلق بسماء وفضاء حواري المدن العتيقة الرابضة المنتظرة عودتنا...؟؟

يا سيدي وانت توارى الثرى ، هو البحث عنك بكل الأمكنة بعد أن صرنا اليتامى على موائد الكبار من سادة قومنا ... لا نشك بالمطلق بقدرتنا وقدرة جماهيرنا المرابطة الصامدة الصابرة على صناعة النصر.. فصمودنا بحد ذاته نصر... وتصدينا لأعتى آليات القمع والذبح في العالم بحد ذاته نصر.. وأن ننطق بلغة الضاد في ظل أبشع سياسات التهويد والأسرلة لمجتمعنا ولقدسنا ولمقدستنا ولإنساننا وللحب فينا هو النصر بأم عينه... ولكن من يدير دفة أشيائنا ويهدهد ويربض على اكتافنا وأبونا مصروع مقتول مصلوب من جديد؟...

بمثل هذه الأيام من عامنا الماضي والذي يستحق أن نسميه عام النصر.. كنا ننتظرك ومعنا كان بهذا الانتظار كل الجميلات والأطفال وأمهات الانتظار الطويل لمن قد يعودون من وراء الاعتقال بزنازين الموت.

البحر.. بحرنا كان بانتظار شارتك... والجبال هناك استعدت لملاقاة هداياك وعطاياك... وزغاريد النسوة انطلقت ممزوجة بدمعة ترقرقت بعد أن طال انتظار عطاء السماء... وكان أن يأتينا المطر المنهمر بالصيف الساخن ونحن العطشى لقطرة ماء... تبعث الأمل فينا من جديد...

يا سيد أسياد الفعل والكلام.... نحو القدس بوصلتك ولم تخطئ بيوم في مواجهة أعدائك... ولم تنحرف رؤياك بالنظر الى خصومك الشركاء في الوطن مع العلم أنهم قد يكونون أعداء ولكن هيهات أن تقع في مستنقعات الأحمر القاني، وأنت مدرك معنى أن تتعاكس البنادق نحو العمق الوطني... أدركت منذ البداية معنى أن تكون قائدا وطنيا يدير دفة التصدي والولوج الى ساحات الوغى دون أن تتلوث.. وأن تسير وسط الرذاذ دون أن تبتل... وأن تصرخ دون ازعاج... وأن تشدو وترتل مزاميرك دون أن نمل السماع.. وأن تبكي أيضا دون أن نحاسب دموعك... وأن تبتسم دون أن نغالي بتفسير المعاني... كنت واثقا بنصرك والنصر تقدم نحوك... وكنت صامدا بعرينك فتعلم الصمود منك الدروس.. وافتتحت الفصل الجديد في كتاب أحرار الموقف والكلمة... وأثبت ان جيفارا ونصر الله وحسين الكربلاء ما زال لهم أمكنة وسط كل الخراب وضياع القيم والمعنى في سفر التكوين للشعوب الحية والباحثة عن الحياة فوق الأرض لا تحتها...