الإثنين: 24/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

مآلات تأجيل تنفيذ المرحلة الأولى في الصفقة

نشر بتاريخ: 23/02/2025 ( آخر تحديث: 23/02/2025 الساعة: 22:46 )

الكاتب:

أمير مخول

في سياق التوقعات بإنهاء استحقاقات المرحلة الاولى من الصفقة، قررت الحكومة الاسرائيلية بصورة مفاجئة مساء السبت 22/2/2025 تعليق إطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين ال 650، على الرغم من اطلاق سراح الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين الستة من غزة صباح ذات اليوم، ووفقا لاطار الصفقة والاتفاق المسبق على المسار، جاء قرار الحكومة في اجتماعها المقلص تعليق التنفيذ، بمشاركة سموتريتش ووزيري الليكود كاتس وديرمر ورئيس حزب شاس ارييه درعي من انصار انجاز الصفقة بكل مراحلها. فعليا قام نتنياهو بتجاوز توصيات الاجهزة الامنية الشاباك والجيش والموساد في اجتماعه بهم تمهيدا للاجتماع الوزاري، والذين اوصوا بالإجماع بإطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين ضمن هذه الدفعة وفي الوقت المحدد.

سوّغ كل من نتنياهو ووزير الامن كاتس القرار بأنه "من أجل تلقين حماس درسا" ومحاسبتها على الخلل في تحرير جثمان لا يتبع للمحتجزة شيري بيباس.

قراءة:

- لم تنجح مساعي نتنياهو حتى الان في منع الولوج الى مفاوضات المرحلة الثانية للصفقة، ومن خلال إطالة أمد المرحلة الاولى ومَحوَرَة الصفقة بتبادل الاسرى دونما انهاء للحرب، ودونما المضي نحو مسألة كيفية ادارة قطاع غزة بعد انهاء الحرب. بإعلان الحكومة ارجاء إطلاق سراح أسرى الدفعة السابعة الفلسطينيين تكون فعليا قد فرضت إطالة أمد المرحلة الاولى وارجاء المرحلة الثانية سعيا لإلغائها ان استطاعت ذلك.

- تدلل الفجوة بين موقفي المستوى الامني والمستوى السياسي الى ان قرار نتنياهو فيه مركّب سياسي حزبي للحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم دون اضطراره للاستناد الى شبكة أمان برلمانية توفرها المعارضة الاسرائيلية. ثم ان اطالة أمد المفاوضات ومراحل الصفقة انما يشكل اساسا لديه للامتناع عن الرضوخ للمساءلة واقامة لجنة تحقيق رسمية في اخفاق 7 اكتوبر 2023، والتي من المتوقع ان تنهي حكمه بتحميله المسؤولية الوزارية للإخفاق الاكبر في تاريخ اسرائيل. في المقابل تدلل هذه الفجوة الى انه لا توجد امام نتنياهو امكانية حقيقية للتملص من استحقاقات الصفقة الا بالحرب من اجل الحرب، وحصريا على ضوء مؤشرات لتراجع ترامب عن مشروع التهجير.

- فلسطينيا، فإن الرسائل التي سعت حماس الى ايصالها في طقوس الافراجات المشهدية، صبّت في صالح نتنياهو واقصى اليمين وتوجهاتهم الانتقامية ولم تؤد الى احداث اختراق في الشارع الاسرائيلي. كل ذلك بخلاف اشرطة الفيديو التي انتشرت خلال العام الماضي من أسرى ومحتجزين اسرائيليين ساهمت في تحريك المفاوضات والراي العام في حينه. بينما حاليا وبعد دفعات إطلاق سراح الاسرى فإن حراك عائلات الاسرى والمحتجزين يقوم من تلقاء نفسه بتكثيف الضغط على نتنياهو للاستمرار في الصفقة.

- من اللافت ان توجهات حراك عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيلي لا يعوّل على نوايا نتنياهو بل على ادارة ترامب واولوياتها بإتمام الصفقة، وحين قررت الحكومة ارجاء اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين كان الحراك اول من عبّر عن قلقه، خوفا على مصير من بقوا في الاسر في غزة، واعتبروا ان عنوانهم للضغط على نتنياهو هو ترامب.

- من المرجّح ان تكون خطوة نتنياهو وحكومته هي المحاولة الاولى لجس نبض القرار الامريكي وللتحدي الجزئي للموقف الذي اعلن عنه مبعوث ترامب للمنطقة ويتكوف والذي يطلب الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية وانجاز الصفقة بكل مراحلها بما فيها انهاء الحرب، وفقا للأولويات الامريكية وعلى اثر المشروع العربي للإعمار مع البقاء ومنع التهجير.

- مقابل مساعي نتنياهو تتسع دائرة الاصوات العربية والدولية وحصريا من الدول المانحة لفلسطين، بما فيها اصوات امريكية تطالب اسرائيل بالتعويض عن الدمار الشامل في غزة وتدفيعها ثمن حروبها على القطاع. وهي مطالب حتى وان لم تتحول بعد الى قوة سياسية دولية ضاغطة الا انها تتفاعل داخل هذه الدول وقد تتحول الى مطالب سياسية رسمية.

- ألقت اسرائيل تبعات موقفها على الوسيطين المصري والقطري وعلى واشنطن وهي الجهات الضامنة للاتفاق، مما يحمل اشارة الى انّ تعويق اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين هو مسألة تندرج ضمن المفاوضات اي إطالة امد المرحلة الاولى بدلا من الولوج حاليا في المرحلة الثانية التي تحمل ابعادا استراتيجية. كما من شأنها ان تكون مؤقتة قد تطول لساعات او ايام في حال لم يحدث تحول جوهري في الموقف الاسرائيلي نحو العودة لتجديد الحرب والتهجير.

- يتزامن قرار إرجاء استحقاقات الدفعة السابعة من التبادل مع اجتماع الرياض العربي التمهيدي للقمة العربية للنظر في الصيغة المصرية العربية لإعادة الاعمار في غزة، وادارة القطاع من دون تهجير اهله، ومما يجعل قرار حكومة نتنياهو مسعى للتعويق على استكمال المسار العربي، بذريعة ان الصفقة لم تنجز بعد ولم يحن موعد "اليوم التالي". الا ان أثر الفعل الاسرائيلي في هذا الصدد اخذ بالتراجع ولا تملك حكومة نتنياهو القول الفصل فيها حتى ولو قدّرت ان الموقف مختلف ولصالحها.

- يشي خطاب نتنياهو من مخيم طولكرم من أحد شوارعه محاطا بحماية الجيش وبالسترة العسكرية الواقية، بأنه يسعى الى التهويل والى ايهام الراي العام الاسرائيلي بأن اسرائيل بصدد حرب مقابل جيش، في حين أن الحكومة بصدد توسيع العدوان ليشمل كل الضفة الغربية وحتى السعي الى تقويض السلطة الفلسطينية حيث يخشى ان تكون في موقع ادارة غزة سواء وحدها او في اطار عربي دولي، والربط بين مصير غزة والضفة بوصفهما البنية الجغرافية الجوهرية للدولة الفلسطينية. ثم ان اجتماع نتنياهو مع قادة المنطقة الوسطى لجيش الاحتلال في احد منازل المخيم الذي تم تهجير أهله ضمن 40 ألف فلسطيني من شمال الضفة، فيها تأكيد بأنه لا كوابح امام استهداف كامل الوجود السكاني في المخيمات في الضفة الغربية وكما حدث في قطاع غزة.

- تصعيد العدوان على الضفة الغربية هو جزء لا يتجزأ من الحرب على غزة ويعتبرها نتنياهو وحكومته جبهة حرب. وهي قد تكون "التعويض" عن الاخفاقات في ضم القطاع واستيطانه وعن الانسحاب من غالبية جنوب لبنان لحد الان، وهو تعويض سياسي هدفه مواصلة حالة الحرب وتجاوز المساءلة وصيانة الائتلاف الحاكم. فيما جوهريا توخيا لضوء اخضر امريكي نحو الضم المعلن، وتقويض فكرة تقرير المصير والدولة الفلسطينية.

الخلاصة:

** من المتوقع ان تجد مسألة الانتهاك الاسرائيلي الجوهري بإرجاء موعد اطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين حلها من خلال صيغة تفاوضية ضمن جهود الوسيطين العربيين والموقف الامريكي.

** يؤكد لجوء حكومة نتنياهو الى ذرائع وهمية، أن افق هذه الحكومة مسدود ومأزوم.

** ما لم تحصل تطورات تدفع نحو استئناف الحرب المكثفة على قطاع غزة، فإن التعويقات الاسرائيلية قد تطيل أمد المرحلة الاولى وترجيء المرحلة الثانية، لكنها لا تستطيع ايقاف مسيرة المفاوضات والصفقة بكل مراحلها.