الكاتب: جمال زقوت
يبدو أن حرب الإبادة في غزة لم تضع أوزارها بعد. فمن الواضح أن حكومة الاحتلال ما زالت تصطنع البيئة التي تمكنها من استئناف هذه الحرب الوحشية، في وقت تقوم بتوسيع نطاقها في الضفة المحتلة، ذلك في سياق هدف مباشر ومعلن لتصفية القضية الفلسطينية، بدءاً بمحاولة اجتثاث مخيمات اللاجئين فيها، بعد أن أجهزت كلياً على غزة و مخيماتها.
من الواضح أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وفق رؤية نتنياهو ليس أكثر من مجرد مناورة لاستعادة أكبر عدد ممكن من أسراه المحتجزين لدي المقاومة في قطاع غزة، مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، يجري إبعاد بعضهم خارج فلسطين، تمهيداً لاستثمار بيئة جديدة تمكن اسرائيل من استئناف الحرب، اعتقاداً من نتنياهو أن ترامب نفسه قد يوافقه على ذلك، وبما يُمكِّنه من، ليس فقط إبعاد حماس عن حكم غزة أو المشاركة فيه، بل، سعياً لابعاد الحركة، إن لم يكن القضاء نهائياً عليها وتجريدها من السلاح. وهي ذات المواقف التي عاد نتنياهو يرددها في كل مناسبة منذ عودته من واشنطن واجتماعه مع ترامب، في ظل حراك عربي لعقد لقاء قمة للرد على موقف ترامب بشأن التهجير، ولكن بعد أن خفف الأخير لهجته بعض الشيء، وعاد منطق نتانياهو التصفوي لتصدر المشهد، وبما يشمل بطبيعة الحال تصفية حماس والمقاومة الفلسطينية بشتى أشكالها بوجه عام .
الجديد أن مبعوث ترامب، ومهندس الضغط على نتنياهو لقبول الصفقة بمراحلها الثلاث، قد انضم إلى معزوفة نتنياهو حول تمديد المرحلة الأولى، أي استعادة أكبر عدد ممكن من المحتجزين الاسرائيليين، وإخراج حماس من القطاع وليس من حكمه فقط، وعدم دفع الاستحقاقات الأخري من الاتفاق، والتي جوهرها يجب أن يُنَفَّذ في مرحلته الثانية. فاتفاق وقف إطلاق النار لا يقتصر على تبادل الأسرى، بل فهو يتضمن الإغاثة والإيواء، تمهيداً للإعمار ، وكذلك الانسحاب الشامل من القطاع، وفتح المعابر، سيما معبر رفح لضمان حرية حركة الأفراد، والمرور الحر لمواد الإغاثة والإيواء والبضائع ومواد الأعمار، وينتهي بوقف دائم لإطلاق النار أي وقف الحرب.
إذاً الخطة الاسرائيلية باتت واضحة وهي استعادة المحتجزين دون الوصول إلى مركز الاتفاق بوقف الحرب. وفي هذا السياق يحاول نتنياهو الوصول لأهداف حربه، دون استمرارها، وإلا فهو يراكم دوافع العودة إليها، و ربما بشراسة أكبر. يشجعه في المضي بهذا السيناريو، الذي يتقدم للواجهة، الدعم غير المسبوق من البيت الأبيض، بما في ذلك شحنات القنابل النوعية، والتي سبق تعليق إرسالها من إدارة بايدن، وغياب الإرادة فلسطينياً وعربياً لمواجهة نتنياهو بموقف موحد ازاء ما يسمى باليوم التالي، حيث يجري تحاشي الاقتراب من تنفيذ المرتكز الأساسي لاتفاق بكين بتشكيل حكومة وفاق غير فصائلية تخاطب العالم برؤية واستراتيجية واقعية موحدة وفق المصالح الوطنية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وبمبادئ القانون الدولي، وبما يشمل مسؤوليتها عن اعادة الإعمار وآليات تحقيقه كمكون جوهري لبناء فلسطين الحرة والجديدة، وكونها حكومة وفاق انتقالية غير فصائلية تتمتع بالصلاحيات التي ينص عليها القانون الأساسي الفلسطيني، بمرجعية وطنية محددة بمنظمة التحرير الفلسطينية، والأهم بالثقة الشعبية المستمدة من كونها مدعومة من الكل الفلسطيني، ملتزمةً بالتحضير والذهاب لانتخابات عامة شاملة في إطار زمني متفق عليه، لبناء نظام سياسي فلسطيني يفضي إلى إنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة على حدود الرابع من حزيران 1967.
هذا هو الطريق الوحيد والممكن الذي لا يبدد التضحيات الهائلة التي قدمتها غزة، و يفتح الطريق نحو الحرية وتقرير المصير، تكون فيه عملية إعمار غزة حجر الزاوية في خطة فلسطينية عربية شاملة لإنهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة .. دولة حديثة، ليس فقط بالعمران وبنيته التحتية، بل، و نظام سياسي ديمقراطي تعددي ومنافس، بما يتجاوز ادعاءات اسرائيل الكاذبة كونها واحة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة.
المضي في هذا الطريق مسؤوليتنا نحن أولاً ، ويتطلب دعماً عربياً يرتكز إلى مبادرة السلام العربية، والموقف السعودي وتعزيز جهود المملكة في إنشاء التحالف الدولي لحل الدولتين،الذي يشكل حجز زاوية فاعلة لجهة التمسك بقيام دولة فلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. إلا أن الوصول لمثل هذا السيناريو لمبتغاه، وفق حاجة ترامب للسعودية اقتصادياً في الداخل الأمريكي، وإقليمياً في مسألة العلاقة مع اسرائيل، فإنه يستدعي البدء بخطوات عملية لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني توافقياً وفق إعلان بكين لضمان وحدة الكيانية والتمثيل الفلسطيني، وليس استبعاد هذا التمثيل الموحد، بما يعطي إشارات سلبية لا تخدم هذا المسار، كما أنه يتطلب كخطوة لاحقة توسيع نطاق وقف إطلاق النار ليشمل الضفة الغربية بما فيها القدس، لجهة وقف حرب الضم، وحرب اجتثاث المخيمات وعربدة المستوطنين الارهابية، بالإضافة لوقف كل الأنشطة الاستيطانية في أراضي دولة فلسطين المستقبلية.
أما مسألة شكل المقاومة ومصير سلاحها، فإن إلزام اسرائيل بوقف شامل و دائم لحرب الإبادة ضد قطاع غزة، ولعدوانها الدموي المتواصل في الضفة الغربية، وبما يشمل وقف هجمات المستوطنين وسحب سلاحهم، وتفكيك تنظيماتهم الارهابية، سيُمَكِّن التوافق الفلسطيني من التعامل مع مسألة العمل المسلح، والتوافق على أشكال شعبية لمقاومة الاحتلال. الأمر الذي سيجعل من مصير سلاح المقاومة شأناً فلسطينياً داخلياً، لا يحق لأي طرف الانفراد بإستخدامه تحت أي ذريعة كانت، سوى الحق المشروع في الدفاع عن النفس بقرار وطني جماعي من قبل منظمة التحرير التي يجب أن تضم الجميع لضمان تحقيق ذلك .