الثلاثاء: 25/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

الإسلام السياسي وسؤال النهضة وسقوط النخبة في وسائل الإعلام العربية

نشر بتاريخ: 24/02/2025 ( آخر تحديث: 24/02/2025 الساعة: 22:57 )

الكاتب: د. بسام عويضة


يخضع الخطاب الإسلامي من قبل وسائل الإعلام العربية لنوع من التشكيل، فهي تقوم بتوظيف هذا الخطاب عن طريق أسلمة المضامين الإعلامية وتشكيل واقع متخيل بغية إنتاج صور ذهنية جاهزة ذات معنى من أجل الهيمنة على الرأي العام واخضاعه والسيطرة عليه، وتسعى إلى إنتاج معرفة مؤطرة بهدف خدمة سلطة سياسية، لخلق واقع سياسي لها ومنافس في الإقليم.

للأسف الشديد، الإعلام العربي لا ينظر إلى الإنسان العربي بوصفه جوهر العالم ومركزه وصانع وجوده، لا ينظر له بهدف تثقيفه وتوعيته وإنما يسعى لإدلجته لتمرير سياسات لخلق مراكز قوى سياسية عن طريق الإعلام.

في كتابه "نحن والمستقبل" قال المؤرخ قسطنطين زريق ( 1909 -2000 ):"أول عمل يجب أن نقوم به هو التفكير في الإنسان العربي، أي الاهتمام بالإنسان ككائن اجتماعي سياسي واقتصادي، منطلق الوعي التاريخي العربي، اهتمامًا نتجاوز به الواقع/ الحاضر المأزوم، لذا، فإن سبيلنا اليوم هو في تجهيز أنفسنا بالقدرة الذاتية، وهذه القدرة هي بشرية لا مادية تتمثل بنوع المواطن العربي وجدارته وفاعليته، فالاهتمام بالقدرة الذاتية أول عمل استراتيجي للوعي المستقبلي العربي".

بلغة الأرقام:

"إن الأبحاث والإحصاءات تبين أن كل 300 ألف عربي يقرأون كتابًا واحدًا في السنة، مقابل (518) كتابًا نصيب القارئ الأوروبي، و(212) كتابا في أمريكا، ومُعدل ما يقرأه التلميذ العربي في المرحلتين المتوسطة والثانوية لا يزيد على (4) صفحات لكل مرحلة، أما عدد الكتب العربية الصادرة في السنة فلا تزيد عن (5000) كتاب، مقابل (50) ألف كتاب في أوروبا، و(150) ألف كتاب في أمريكا وكندا". (مفلح، أحمد 2013: في سوسيولوجيا المثقفين العرب، ص 40. )

أمام هذه الكارثة، هل يوجد لدينا مثقفون كبار؟ هاشم صالح (صحيفة الشرق الأوسط "،29 .6 .2013 ، العدد 12632 ، يجيب على هذا التساؤل:

"لا يريد الإنسان العربي تغيير هذا الواقع المرعب، وإنما يبغي تفسيره، يوجد لدينا مثقفون ولكن ليس على مستوى الكارثة، لا يوجد لدينا فلاسفة كبار من وزن ديكارت وهيغل وكانط لكي يفسروا لنا هذا الواقع".

وفي موقع آخر يقول المفكر المصري سلامة موسى: "في الوقت الذي كنت أكتب فيه عن العقل الباطني ونظرية التطور والبلاغة العصرية وحرية الفكر كان غيري يُؤلف عن الخلفاء الراشدين أو الأمويين أو العباسيين ... كنت أنشد الآفاق وغيري يشرح للقراء قواعد الفعل الماضي".

علاقة الإعلام العربي اليوم مع الثقافة والتنوير علاقة تنافرية، فالخطابين الديني والسياسي واضحين، سواء كانت رموزًا أو إيقونات أومؤشرات أو إيماءات، كما يغيب سؤال النهضة عن هذا الإعلام وتبرز سطوة التاريخ على الخطاب واختلاط الأولويات وجدلية العلاقة بين المعرفة والسلطة والمراوحة بين الثنائيات الجامدة.

يتميز الإعلام الاصولي برفض نسبية الحقيقة والمصدر الإنساني لها، ويتجاهل سؤال النهضة وأسباب تعثرها في العالم العربي والحداثة كذلك، وصدارة الغيبات على العقل والتفكير ونفي أثبات صحة أي تفسير من خلال العلوم والمختبرات، والإعلام الاصولي لا يحاول خلق واقع جديد، وإنما استعادة حالة تاريخية سابقة، هذا الإعلام لا يملك مشروع نهضوي، فهون مفتون بالتاريخ القديم، وعابد له، ويرقص مسعورا حول جغرافيا يعتقد أنها مقدسة، وحول كل هذا وذلك تتمحور نشرات أخباره، وتدور برامجه في بث حي ومباشر، وكأنها فلم سينمائي، والناس تعشق ذلك، في انهيار واضح للسلطة الإعلامية والمعلوماتية وتفوق الصورة والإنجازات الوهمية الكاذبة وخلق واقع متخيل أو الواقع المخلق لإضفاء مزيد من القدسية على ممارسات و/ أو لاستدعاء الشرعي للتبرير السياسي.

خلاصة القول إنّ الخطاب الإعلامي العربي المعاصر يتميز بعدة خصائص منها:

1. غياب الفكر أو التصور أو مشروع النهضة أو السؤال القلق أو بُعد النظر عند القائمين على الإعلام.

وانا اقصد هنا الدولة الحديثة والجامعات المتقدمة وحرية المعتقد وإعادة قراءة التاريخ وسن القوانين الحديثة ومحاربة المجتمعات الشخصانية وترسيخ ثقافة الذهن المتوقد بدلا من ثقافة العين.

2. غياب البُعد أو المسألة الثقافية عند الإعلاميين أو القائمين على الإعلام العربي.

3.انتشار تقنيات الأدرمة وخاصة التقنيات البصرية التصويرية والقصص الاستعارية والمراوحة بين الثنائيات الجامدة.

4. إعلام غير مهني ويدعو إلى الكراهية والعنف ونبذ الرأي الآخر.

5. وجود عدة قراءات إيديولوجية مختلفة للخبر وللصورة.

6. غياب المفهوم الأخلاقي في الخطاب الإعلامي العربي.

7. غياب ثقافة التحقيق الاستقصائي.

بقي القول، أن بعض وسائل الإعلام العربية هي مطابخ أو مؤسسات سياسة ليس أكثر.

* رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت