الكاتب: ضرار احمد عبادي
في ظل التصعيد العسكري المتكرر الذي تشهده الأراضي الفلسطينية، وخاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، تبرز قضية أساسية تتعلق بمسؤولية إسرائيل القانونية والأخلاقية عن الأضرار الجسيمة التي تلحق بالمدنيين والممتلكات الفلسطينية، فالحروب والعمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة تخلف وراءها دمارًا هائلًا، ليس فقط في البنية التحتية، بل أيضًا في الأرواح البشرية والأحلام التي تُدفن تحت الأنقاض، ومن هنا، يصبح من الضروري التطرق إلى مسألة إلزامية إسرائيل بالتعويض عن هذه الأضرار، ليس فقط كواجب قانوني بموجب القواعد الدولية، بل أيضًا كخطوة نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.
تُجمع القوانين الدولية، وخاصة اتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي الإنساني، على أن الدول التي ترتكب انتهاكات خلال النزاعات المسلحة تتحمل مسؤولية تعويض المتضررين، فالحرب على غزة والضفة الغربية، والتي شهدت استهدافًا ممنهجًا للمدنيين والمنشآت المدنية، تُعد انتهاكًا صارخًا لهذه القواعد.
ومن ثم، فإن إسرائيل ملزمة بموجب القانون الدولي بتقديم تعويضات عن الأضرار التي سببتها، سواء كانت مادية أو معنوية.
لكن التعويض ليس مجرد مسألة مالية؛ إنه اعتراف بالمعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ عقود، فالأسر التي فقدت أحباءها، والأطفال الذين حرموا من طفولتهم، والعائلات التي دُمرت منازلها، كلهم يستحقون العدالة.
و من هنا فأن التعويض يجب أن يشمل إعادة الإعمار، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية، وضمان حياة كريمة لمن عانوا من ويلات الحرب.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يواجه تحديات كبيرة، أبرزها عدم اعتراف إسرائيل بمسؤوليتها الكاملة عن هذه الانتهاكات، وغياب آليات دولية فاعلة لإلزامها بالتعويض.
و من هنا يأتي دور المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية في الضغط على إسرائيل لتحمل مسؤولياتها، ودعم الجهود الفلسطينية في المطالبة بحقوقها المشروعة.
و لكن السؤال المحوري الذي يطرح ما هي الأسس القانونية لإلزام إسرائيل بالتعويض ؟؟
اولا : اتفاقيات جنيف 1949
تنص اتفاقيات جنيف، وخاصة الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب، على حماية المدنيين من الأعمال العدائية، وتُعتبر الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين أو المنشآت المدنية في غزة والضفة الغربية انتهاكًا صارخًا لهذه الاتفاقيات ، بالاضافة الى المادة الثالثة المشتركة بين الاتفاقيات الأربع تُلزم الأطراف المتحاربة بمعاملة المدنيين معاملة إنسانية، وتحظر أعمال العنف ضدهم.
ثانيا :البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977
ينص البروتوكول الإضافي الأول على حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، ويُحظر الهجمات العشوائية أو غير المتناسبة التي تسبب أضرارًا بالمدنيينن ، و تحديدا نص المادة 91 من البروتوكول تنص صراحة على أن "طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات أو هذا البروتوكول يُلزم، إذا دعت الحاجة، بدفع تعويض، ويكون مسؤولًا عن جميع الأعمال التي يرتكبها الأشخاص الذين يشكلون جزءًا من قواته المسلحة."
ثالثا: قواعد القانون الدولي الانساني
تُلزم قواعد القانون الدولي الإنساني الدول باحترام مبدأ التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، ومبدأ التناسب في استخدام القوة،أي هجوم يتسبب في أضرار غير متناسبة للمدنيين يُعتبر انتهاكًا لهذه القواعد .
ان إسرائيل، من خلال عملياتها العسكرية في غزة والضفة الغربية، غالبًا ما تنتهك هذه المبادئ، مما يجعلها مسؤولة قانونيًا عن التعويض.
رابعا : قرارات الأمم المتحدة والهيئات الدولية
أصدرت الأمم المتحدة عدة قرارات تدين الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وتؤكد على ضرورة تحمل إسرائيل مسؤولياتها القانونية ، و نورد على سبيل المثال لا الحصر، قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدعو إلى تعويض الضحايا الفلسطينيين عن الأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي .
و انه على اهمية على ما تم سرده من الزامية تعويض دولة الاحتلال عن اعادة الاعمار و تعويض الضحايا و لكن لا تزال هناك العديد من التحديات و التي تعيق الوصول الى الزام اسرائيل بدفع تلك التعويضات و التي نجملها :
عدم اعتراف إسرائيل باختصاص المحاكم الدولية، ان إسرائيل لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، مما يعيق محاسبتها على انتهاكاتها.
ضعف آليات التنفيذ، حتى في حال صدور أحكام ضد إسرائيل، فإن غياب آليات دولية قوية لتنفيذ هذه الأحكام يُعد عقبة كبيرة .
ان إلزام إسرائيل بالتعويض عن الأضرار الناجمة عن حربها ضد غزة والضفة الغربية ليس فقط واجبً أخلاقيً فقط، بل هو التزام قانوني بموجب القواعد الدولية، ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب جهودًا دولية مكثفة لضمان محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها، ودعم الجهود الفلسطينية في المطالبة بحقوقها المشروعة .
ان التعويض ليس مجرد تعويض مادي، بل هو خطوة نحو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.