الكاتب: كريستين حنا نصر
يُمثل اليوم العالمي للمرأة والذي يحتفل به العالم بتاريخ الثامن من أذار في كل عام، مناسبة مهمة لقراءة وبحث واقع المرأة في العالم، واحتفالاً بهذه المناسبة وتقديراً لدور المرأة أقامت صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبد الله حفظها الله مأدبة إفطار في مدينة العقبة لعدد من سيدات المحافظة الناشطات بمختلف القطاعات، كما عبر سمو ولي العهد الامير الحسين بن عبد الله الثاني حفظهم الله، عن مكانة المرأة ودورها التنموي بتغريدة على منصة الانستغرام جاء فيها :" كل عام وأنتن شريكات رفعتنا"، ولهذه الكلمات الاربع دلالة تعزز شراكة المرأة في مسيرة التنمية والبناء الوطنية التي يقودها ويوجه الجميع نحوها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله .
إن المرأة في عصرنا الحديث تتأثر وتتفاعل مع الكثير من القضايا، وعلى وجه الخصوص مع عصر يشهد تطورات متسارعة في الثورة التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، وضمن واقع الحياة الذي يشهد مصاعب وتحديات اقتصادية على جميع فئات المجتمع، حيث ترتفع كلفة المعيشة وفاتورة الانفاق الاسري، وبالطبع هو الحال في معظم انحاء العالم، الأمر الذي يدفع المرأة المتزوجة في الغالب للعمل خارج بيتها والابتعاد عن أطفالها لتحسين مستوى معيشة أسرتها، وفي سياق الاوضاع الاجتماعية تُعاني المرأة وبحسب الكثير من المؤشرات الملموسة والدراسات الميدانية من المعاناة والاضطهاد، بما في ذلك إضطهاد الأزواج، ففي مجتمعنا نجد أن المرأة الاردنية وفي عدد من الحالات تتعرض لقيام زوجها بالاقتراض والاستدانة المالية وعلى اسمها، مما يعرضها للمساءلة والمسؤولية القانونية أمام القضاء، وفي المحصلة يستفيد الرجل من مشاريعها وديونها، بينما يتركها للاسف لاحقاً تواجه مصيرها وحدها، وذلك بخصوص دفعها الاقساط المترتبة عليها للمؤسسات والجهات المقرضة.
وفي السياق الاجتماعي الحالي وفيما يخص الزواج، يشترط البعض في شريكة حياتيه المستقبلية أن تكون موظفة أو ذات دخل مالي، بمعنى يكون السؤال عن راتبها أولاً وبعد ذلك ينظر في التفاصيل والمواصفات الأخرى، وفي معظم الحالات يسيطر الأب أو اذا كانت متزوجة الزوج على راتبها ودخلها، والذي يعمد أحياناً للأسف نحو إنفاق مالها ليس على شؤون الاسرة والاولاد، وانما على أبواب الانفاق الشخصي بما في ذلك المقاهي والسهر وغير ذلك من أشكال الصرف غير المجدية، وفي حال لم تجد المرأة الحل الا في الطلاق وبعد فشلها في اي حلول أخرى، فقد تجد أهلها يمنعونها من الطلاق لاسباب غالباً اجتماعية مرتبطة بالعادات والتقاليد ونظرة المجتمع للمرأة المطلقة ، مما يدفعها للبقاء مجبرة في بيت زوجها تعاني التعنيف والاضطهاد خاصة إذ كان هو المأوى الوحيد لها، وتزداد معاناة المرأة غير العاملة ومن لا تملك تحصيل علمي في مثل هذه الحالة، ولا شك أن الانعكاس المباشر والخطير سيكون على الاطفال والاسرة بشكل عام، والى جانب هذه المشاكل الاجتماعية تعاني المرأة أيضاً من حرمانها من الميراث ضمن نظرة متعصبة للاسف تردد عبارة لا يمكن فهمها وهي : "لا نورث مال أبينا للغريب، ولكن ترى في مال الغريبة أو الزوجة حقاً مشروعاً"، وغالباً ما نشاهد حالات تُجبر فيها المرأة وبالقوة للتنازل في دائرة الاراضي والمحاكم وغيرها عن حقها في الميراث، يضاف الى كل ذلك تعرض المرأة للضرب والاساءة، علماً بأن الأديان والعقائد والقانون يُحرم ويرفض اهانة المرأة، ولكن يبقى تطبيق ذلك من الناحية العملية أمراً غير موجود دائماً في المجتمع .
والسؤال المهم اليوم ، كيف يمكن للمرأة الاستقلال والتطور الاقتصادي؟، وكيف لها أن تصبح قوية وغير مقيدة تستطيع التقدم نحو الامام في حياتها؟، ومن المعروف أن نفقة الزوجة في حال طلاقها لا تكفيها للصرف على نفسها وأطفالها، خاصة في ظل ارتفاع مستويات الاسعار والمعيشة، مما يدفعها للعمل لتوفير ذلك، هذا العمل الذي قد تحصل فيه على أجر قليل ودون الحد الادنى من الاجور المقرر من الدولة، علماً بأن هناك الكثير من المؤسسات تفضل أن تعمل فيها المرأة وذلك بسبب انضباطها ومثابرتها وأيضاً استغلال موافقتها على راتب قليل، الأمر الذي سينعكس على الاطفال وقد يعرضهم للشارع ورفاق السوء ومشاكل المخدرات والانحراف المختلفة.
كيف يمكن للمرأة أن تنهض وتشارك في مسيرة التنمية؟، وهذا الامر يتعلق بطبيعة القوانين والتشريعات والوعي المجتمعي استناداً لفهمهم للعقائد والقوانين والعادات والتقاليد، وفي الاردن على سبيل المثال استطعنا أن نتقدم في مجال حقوق المرأة وواقعها، من خلال العديد من المؤسسات مثل مؤسسة إدارة حماية الاسرة التابعة لمديرية الامن العام، والتي تملك قوة تنفيذية وقانونية للسير في عملها الانساني المجتمعي المهم، وهناك مؤسسات وجمعيات ولجان رسمية وخاصة كثيرة تعمل على حقوق المرأة وسبل تعزيزها وتمكينها، كما عمل الاردن وعلى مدار عقود من مسيرة النهضة الوطنية على منح المرأة المناصب العليا وتعيينها في مؤسسات الدولة المختلفة ودعمها بسوق العمل ، وهذه سياسة وبرامج وطنية تتطور وتزداد في كل عام .
فلا يمكن لأي أمة أن تنهض بمؤسساتها واقتصادها ودولتها بشكل عام ، دون وجود المرأة القوية والمكتفية اقتصادياً واجتماعيا وتشريعياً وصحياً، كل ذلك لضمان النهوض بالدولة جنباً الى جنب مع الرجل، ففي الدول المتطورة والقوية اقتصادياً في العالم المرأة تحظى برعاية شاملة فهي معززة من الناحية الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية ، بل نجدها في بعض الأحيان أقوى مادياً من الرجل ولها شركات عالمية ناجحة .
اعتقد وبكل ثقة وموضوعية، أن المرأة في مجتمعنا عندما تكون قد هُضمت حقوقها في الميراث والعمل على حساب الرجل، فإن المجتمع سيعاني الكثير من المشاكل وسيفقد البركة الممنوحة له من الله ، وبالتالي ستفقد القلوب الرحمة وستطغى المصالح الدنيوية ومحبة المخلوق والماديات أكثر من الخالق عز وجل، ويتراجع التمسك بالتعاليم والتشريعات الدينية العادلة .