الأربعاء: 12/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

من القى بأخيه في الجُبِ لن ينتشل أحدا إن سقط في القاع

نشر بتاريخ: 11/03/2025 ( آخر تحديث: 11/03/2025 الساعة: 09:30 )

الكاتب: د. محمد عودة

الشرق الأوسط الجديد من منظور استعماري يهدف الى إنصاف وتخليص الأقليات من الظلم الفادح الذي تعرضت له الاقليات عند تقسيم الشرق الأوسط أوائل القرن العشرين (عبر اتفاقية سايكس بيكو) الأقليات التي خدعت حين تم التقسيم الأول وأهمها الأكراد، والشيعة العرب، مسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين والإسماعيليين والنقشبنديين والامازيغ والمزابيّن، ويرى أصحاب مشروع تقسيم العالم العربي (الشرق الأوسط الجديد) أن ثمة كراهية شديدة بين الجماعات الدينية والإثنية بالمنطقة تجاه بعضها البعض، وعليه يجب إعادة تقسيم المنطقة العربية

انطلاقا من التركيبة السكانية غير المتجانسة في العالم العربي (الشرق الأوسط) والقائمة على الأديان والمذاهب والقوميات والأقليات، حتى يعود السلام إليه (وتشكل الدولة الصهيونية القائمة على الدين والقومية وامتزاجهما النموذج الامثل).

يشار الى ان الكونجرس وافق في جلسة سرية (1983) على مشروع برنارد لويس، وحدد عام (2018) لإنجازه، ولعلَّ احتلال أفغانستان والعراق، والحروب، الفتنٍ، الثوراتٍ التي يقودها الاستعمار من خلال الإرهاب الذي أسس في المنطقة لهذا الغرض كلها تصب في نفس الاتجاه، ومبررات المشروع حسب لويس أن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون وفوضويون، إذا تركوا لأنفسهم، فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجاتٍ إرهابية تدمر الحضارات، وتقوض المجتمعات، فالحل السليم للتعامل معهم، هو إعادة احتلالهم، وتدمير ثقافتهم. وانشاء دويلاتٍ سنية تكادُ تكونُ منافذهَا البحريَّةُ معدومة، فمثلاً مصرُ الإسلاميَّة عاصمتُهَا القاهرة، الدولةِ المسيحيَّةِ في مصرَتغطي الجزءَ الأكبرَ من مصرَ، مع أنَّ عددَ مسيحيِّي مصرَ يُشكِّلُون حوالَى (15%) من سكَّانِهَا، اما الجزءُ المتبقِّي من مصر َومن ضمنه الشريطٌ الساحليٌّ على البحرِ المتوسِّطِ، يُرادُ لهَا أنْ تكونَ تحتَ النفوذِ الإسرائيليِّ (حيثُ تدخلُ في نطاقِ إسرائيلَ الكُبْرَى)، ودويلتَانِ: سُنيَّة في منطقةِ حلب، وأُخْرَى حولَ دمشق، ودويلةٌ سنيَّةٌ في شمالِ لبنانَ عاصمتُهَا طرابلس، ودويلةٌ إسلاميَّةٌ في شمالِ السُّودانِ، بعدَ اقتطاعِ دارفور منهَا لتكونَ دويلةً مستقلَّةً. تكوينُ دويلاتٍ شيعيَّةٍ، واحدةٍ في جنوبِ العراقِ حولَ البصرة، ودويلتَين -علويَّة شيعيَّة-: واحدة على ساحلِ البحرِ المتوسِّطِ مقتطعةٍ من سوريَا، وأُخْرى على البقاعِ (عاصمتُهَا بعلبك) خاضعةٍ للنفوذِ السوريِّ شرقَ لبنان. تكوينُ دولة مسيحية في جنوبِ السُّودانِ، وأربع كانتوناتٍ مسيحيَّةٍ في لبنانَ.

إنشاء دويلة كردية، تشمل الشمال، والشمال الشرقي حول الموصل، وأجزاءَ من الأراضِي العراقيَّةِ والإيرانيَّةِ والسوريَّةِ والتركيَّةِ والسوفيتيَّةِ سابقًا، ولهذَا نجدُ ان إيجاد داعش في المنطقةِ، جاء للتمهيد لقيامِ الدولةِ الكردية عبر الاستيلاء على مناطقِ الأكرادِ في سوريا، وقدْ سلَّحت أمريكَا أكرادَ العراقِ للاستيلاءِ على المناطقِ الكرديَّةِ التي استولتْ عليهَا (داعش) في سوريا، بينمَا رفضتْ تسليحَ الجيشِ العراقيِّ لمناهضةِ (داعش)، وإعلان الاستفتاءِ لدولةِ الأكرادِ الفيدراليَّةِ، والتصدِّي التركي لهَا قدْ أوقفَ تنفيذَهَا، علمًا بأنَّ مجلسَ الشيوخِ الأمريكيِّ قد صوَّتَ على تقسيمِ العراقِ إلى ثلاثِ دويلاتٍ كشرطٍ لانسحابِ القواتِ الأمريكيَّةِ من العراقِ في 2007م،

ومن اهداف المشروع تعميق الصراعات على أسس طائفية ومذهبية إضافة الى الدفاع عن الحدود المصطنعة، يضاف الى ذلك اختراع عدو او أعداء وهميين مما يسهل خطط الهيمنة الصهيونية على المنطقة وللإبقاء على وحدة الكيان رغم انه يعج بكل عوامل الشرذمة والتفكك نتاج التعدد الطائفي والعرقي والمذهبي بين اليهود أنفسهم.

في ذات الوقت يتم تسويق الكيان على انه المنقذ للأنظمة في المنطقة في مواجهة الخطر الخارجي الجديد (إيران)، وان إسرائيل صاحبة الذراع الممتدة من اجل حماية تلك الأنظمة حتى من شعوبها.

ومن اجل انجاز المشروع عمل ترامب في رئاسته الأولى على وضع حجر الأساس للشرق الأوسط الجديد من خلال حملة التطبيع بين العديد من الدول العربية الضعيفة وإسرائيل القوية على قاعدة ان إسرائيل قادرة على حماية هذه الدول من أي خطر خارجي كان ام داخلي بحكم تفوقها العسكري والتكنولوجي والاستخباراتي.

ومن اجل تمرير المشروع الصهيو امريكي طرح فكرة ديانة إبراهيم لتمكين الصهاينة عبرها من التغلغل بين الشعوب العربية خاصة وان تلك الشعوب غير مقتنعة بالتطبيع ان لم نقل ضده، كما طرح صفقة القرن ظنا منه انه سينهي الصراح عبر التطبيع مع الدول العربية والفتات الذي تقدمه صفقة القرن للفلسطينيين.

في دورة ترامب الحالية يحاول ابتزاز الكل في الوطن العربي يريد ترليون من السعودية، يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين، يريد من قطر والامارات إعادة اعمار غزة (بناء الريفيرا الامريكية الإسرائيلية) ويريد تهجير الفلسطينيين على نفقة الاتحاد الأوروبي (يسعى لتشكيل صندوق لتغطية نفقات التهجير) ويطالب المملكة المغربية بدفع مليون دولار لكل يهودي من أصول مغربية والحبل على الجرار.

وفي هذا السياق لا بد من توجيه عدة رسائل: -

الرسالة الاولى لرعاة البقر ومفادها اننا لسنا هنود أمريكا الحمر ولن نكون (مع كل الاحترام للهنود الحمر) ثم ان كان راعي البقر يريد ان يهجر سكان قطاع غزة فمن الأولى اعادتهم الى بلداتهم التي هجروا منها، وليكمل معروفه وسعيه لتحقيق الاستقرار عبر إعادة الإسرائيليين حملة الجنسية الامريكية الى الولايات المتحدة وعندها سنكون قادرين على التعايش مع بقية اليهود.

الرسالة الثانية فهي موجهة الى الكيان الصهيوني ومفادها اننا لن نغادر هذا الوطن مهما اوغل في دمنا ونقول له اننا باقون ومن سيغادر الى الابد وبلا رجعه هو الاحتلال وقطعان مستوطنيه.

الرسالة الثالثة فهي موجهة الى الدول العربية الشقيقة التي طبعت مع إسرائيل طمعا في تحقيق بعض المصالح والحصول على حماية إسرائيلية، أقول لهم ان من القى بأخيه في الجب لا يمكن ان ينتشل احداً إن سقط في الحضيض.

الرسالة الرابعة والأخيرة اوجهها الى قيادة الشعب الفلسطيني، ان علينا ان نعمل بكل امكانياتنا على انجاز وحدة الشعب والأرض على قاعدة المشروع الوطني تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية من جهة والعمل على توفير مقومات الصمود في غزة والضفة الغربية والقدس من جهة أخرى، لقد أحدثت الموجة الحالية من العدوان هذه المرة جرحا عميقا لا بد من علاجه فالوقت ليس في صالحنا.