الكاتب: د. محمد عودة
على ما يبدوان ما يدور في قطر من مفاوضات بين قيادة حماس ومبعوث الرئيس ترامب يعبر عن تقاطع في مصالح الطرفين ،فما يقوم به طرفي الحوار يعتبر التفاف جدي على مقررات القمة العربية التي حظيت باجماع اقليمي ودولي غير مسبوق لمنع التهجير،بما ان حماس تريد الاحتفاظ بدور في ادراة قطاع غزة وامريكا تريد تهجير الغزيين فاين تتقاطع مصالح الطرفين؟هل التفاوض يجري فقط على موضوع الهدنة وتبادل الاسرى؟ام ان الموضوع يتعدى ذلك للحديث عن مكان وشكل الكيان الفلسطيني المستقبلي،وبما انا اتفاق الهدنة لم ياتي على ذكر الضفة الغربية فهل من الممكن ان يحظى ترامب بموافقة فلسطينية على ضم الضفة الغربية انفاذا للوعد الذي قطعه على نفسة للسيدة مريم اديلسون؟
منذ تاسيس الحركات الاسلامية والقائمون عليها يحاولون ان يبرهنوا للغرب ان بامكانهم ان يكونوا بدلاء للقومية ،الوطنية ،اليسار،واليمين،المتدينين والعلمانيين في ان معا وعليه فان من يدّعون انهم الاوصياء على الاسلام في فلسطين لديهم برامج معلنة حينا ومبهمة احيانا للسيطرة على ما تبقى من وطن مما يدفعهم للعمل بكل السبل على انهاء دور خصومهم في الساحة الفلسطينية وان تعذر فان مصلحتهم تقتضي اضعاف خصمهم المتمثل في الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ( منظمة التحرير الفلسطينية بكل مكوناتها )على طريق إقامة جسم بديل وانهاء المظلة الرسمية الفلسطينية والتي دفع الشعب في مقابل الاعتراف بها ممثلا شرعيا وحيدا عشرات آلاف الشهداء.
إن تتقاطع مصالح الطرفين وإن بشكل نسبي فالإسلام السياسي يريد انهاء منظمة التحرير بالمراكمة وإسرائيل تريد اضعاف منظمة التحرير تدريجيا حتى تحويلها الى خادم لمصالح الكيان، ما يعني ان تقاطع المصالح رغم التباينات في الأهداف يتيح المجال امام الطرفين لضرب بنية الخصم، أحدهما لإضعافه والآخر لإنهائه.
إن تفرد فصائل الاسلام السياسي بقرار السلم والحرب خاصة ما حصل في السابع من أكتوبر وما تبعه من كوارث حلت بالشعب الفلسطيني ومن ثم اتفاق على الهدنة يوم التاسع عشر من يناير الماضي يندرجان وإن بشكل مبهم تحت إطار اضعاف الخصم المتمثل بالشرعية الفلسطينية خاصة وان الاتفاق غير واضح المعالم إضافة الى انه يتجاهل الضفة الغربية والقدس (تحرير الأقصى كان عنوان السابع من أكتوبر) ، اما قرار إسرائيل باجتثاث حماس ومن ثم توقيع اتفاق معها فيه الكثيرمن التضليل حيث ان الملاحق المبهمة وخاصة ما له علاقة بإدارة القطاع لاحقا يصب في خانة اضعاف الطرفين الفلسطينيين من اجل الإبقاء على الانقسام لا بل تعزيزه.
قبل السابع من اكتوبر وما تلاه من عدوان همجي سمته الاساس الابادة الجماعية كوسيلة لاجبار الناس على الهجرة كانت إسرائيل تشرف على ادخال أموال قطر الى غزة وفي ذات الوقت كانت تستولي عنوة على أموال الشعب الفلسطيني من عائدات الضرائب(المقاصة) اضافة الى نهب مقدرات الشعب الفلسطيني من مياه ومعادن وغاز ونفط طمعا في اضعاف السلطة الوطنية وبالتالي اضعاف منظمة التحرير وتشويهها الى حين ايجاد بديل غير حماس وتقوية الاخيرة دون السماح لها بالوصول الى الحد الذي يهدد رغبة إسرائيل في الإبقاء على الانقسام وهذا ما حصل في العدوان الأخير،طبعا اسرائيل تبحث عن بدلاء للطرفين ،روابط مدن في الضفة وعشائر في القطاع.
إن تبني إسرائيل لأهداف عدة أبرزها ما تم الإعلان عنه من اليوم الأول والقاضي باجتثاث حركة حماس كأولوية الا ان حماس لا زالت تحتفظ بجزء هام من قدراتها العسكرية والبشرية مما دفعها للابطاء في توقيع الهدنة حتى تقبل كل الاطراف المشاركة بالمفاوضات ببقاء حماس في ادارة القطاع ولو بالتعاون مع أطراف إقليمية ودولية وقد تجلى ذلك في فيما يخص بند تواجد قوات دولية وبالأخص أمريكية تشرف على تفتيش العائدين الى الشمال عبر نتساريم هذا غير البنود التي ستتكشف تباعا.
إن اعلان ترامب عن بدء ممارسة الضغط على المملكة الأردنية ،جمهورية مصر العربية ،سوريا و المملكة المغربية الشقيقة من اجل استقبال ما يقارب مليوني فلسطيني من سكان قطاع غزة، وكيلا يكون التهجير قسري معلن تم السماح لسكان الشمال بالعودة دون توفير مأوى لهم معتقدين شمال القطاع لا يوفر الحد الادنى للعيش ما سيدفع الكثيرين منهم للبحث عن مكان فيه مأوى وحياة شبه مريحة. فهل كانت حماس على دراية بالمخطط الأمريكي؟ وان لم تكن على دراية فهل ستنهي الهدنة والعودة الى المواجهة مع عدو همجي لمنع الهجرة؟ وان قرربعض الناس الهجرة المبررة وبنسبة اكبر من المعتاد ماذا ستفعل حماس؟
من هنا نستطيع فهم ما يجري في شمال الضفة الغربية حيث خصوم منظمة التحرير يعملون جاهدين لاستنساخ تجربة 2007 بغية الاستيلاء على شمال الضفة الغربية كخطوة على طريق التمدد جنوبا، اما إسرائيل فهي معنية بالإبقاء على الطرفين لكن في حالة ضعف الى حين ايجاد بديل لكليهما مما يمكنها من تطبيق مشاريع الضم خاصة وان هناك إدارة أمريكية لن تتوانى في الوفاء بوعودها القاضية بالسماح بضم الضفة الغربية او جزء منها اضافة الى تطبيق مشروع سموترتش القاضي بانهاء المخيمات وتهجير سكان الضفة الى الاردن.
على الاخوة اصحاب فكر الإسلام السياسي في فلسطين العودة الى رشدهم والتخلي عن العبث بمستقبل الشعب الفلسطيني، عليهم التخلي عن برنامج إيجاد بديل لمنظمة التحرير مدعومين بأجندات خارجية عبر خلايا منتشرة في الضفة الغربية تتبنى شعار المقاومة ولا تمارسه بل على العكس تخترق القانون مما يجعلها عرضة للمساءلة من قبل القضاء الفلسطيني وكرد على الملاحقة يتم الترويج بان السلطة تلاحق المقاومين مما يسهم في تعميق الانقسام في الشارع الفلسطيني، ولا يمكن اعتبار ذلك اقل من العبث بالسلم الأهلي في المجتمع الفلسطيني.
أما قيادة الشعب الفلسطيني فمطلوب منها مراجعة الأداء وتطوير الصواب وتصويب الأخطاء إضافة الى بذل المزيد من الجهد لإعادة الوحدة السياسية والجغرافية للوطن عبر احتواء الكل الفلسطيني على أرضية المشروع الوطني تحت مظلة منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا ،الوقت ثمين وبرامج شطب القضية لا تنتظر.