الكاتب: د. محمد عودة
عبر التاريخ كُثر نحن الذين نفتي بلا علم، وفي الغالب فتاوينا أقرب إلى التشخيص منها إلى الحلول، وإن وضعنا حلولا فهي أعقد من المشكلة ذاتها، لقد تضاعف عددنا، نحن المفتين الفلسطينيين، وانتشرت فتاوينا بكثافة بعد جولة العدوان الأخير على شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، جزء من هذه الفتاوى مرتبط بالخرافات، وجزء بالإشاعات، وفي غلب الأحيان تنتج عن غسيل الدّماغ الذي نتعرّض له على مدار الساعة، خاصة في ظلّ تطور التكنولوجيا، حيث نتعامل نحن المفتين الجدد مع وسائل التواصل والذباب الالكتروني، والإشاعة والدعاية والتنجيم (وكأن كل ما ذُكر قرآن جديد).
من يتابع المواقع والصحف الإلكترونية ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفزة يخلص إلى نتيجة مفادها أن غالبية البالغين من أبناء الشعب الفلسطيني أصبحوا خبراء، فكلنا محللون سياسيون وكلنا خبراء في الشأن الإسرائيلي والدولي، كلنا محللون استراتيجيون، كلّنا خبراء عسكريون، كلنا خبراء في الفيزياء النووية وعلم الفضاء، وليس هذا فحسب بل إنّ الواحد منا خبيرٌ في كل الحقول سالفة الذكر (كلنا كادر، قيادي، زعيم، بروفيسور).
إنّ تناول اي موضوع ان لم يكن يسعى الى الوصول الى هدف ما فإنه لا يتعدى كونه عبثيا ومضعية للوقت وعليه سأدخل الى صلب الموضوع، صحيح أن التشخيص هو نصف العلاج، لكنه ليس العلاج، قلة منا نحن المفتين الجدد تقترح حلولا وعلاج بعد التشخيص، والغاية من هذه المحاولة ان اتمنى على القياديين، الكوادر، الخبراء، المحللين ان يفردوا جزءا من جهدهم لوضع مقترحات حلول قابلة للانجاز والتطبيق حتى يتشكل امام قيادة الشعب الفلسطيني سيل جارف من الاقتراحات العملية للخروج من عنق الزجاجة، خاصة أن المرحلة الحالية تُعد الاخطر على قضية فلسطين عبر التاريخ.
ولكي لا يقول أحد انني عبثي سأبدأ بنفسي من خلال طرح مقترحات ربما تاخذ القيادة ببعضها لكي تصل بالمشروع الوطني الى بر الامان.
المقترح الاول انهاء الانقسام الجغرافي السياسي باسرع وقت ممكن، لان غياب الوحدة مصلحة اسرائيلية استعمارية يمنح الكيان مزيدا من الوقت لتغيير الواقع على الارض.
ثانيا مطلوب من القيادة الفلسطينية وبالشراكة مع المجتمع المحلي والقطاع الخاص العمل على بناء اقتصاد وطني يخلصنا من التبعية للمانحين وينهي ولو نسبيا التحكم الاسرائيلي في اقتصادنا و تضمن توفير فرص عمل لانهاء ظاهرة العمل في الداخل المحتل.
ثالثاً مطلوب محاربة آفات المحسوبية ،الواسطة،القبلية ،العشائرية،الاستزلام ،الشللية والجهوية لان كل هذه الظواهر تنتج فساداً اداريا وماليا يقلصان من امكانية إنجاز المطلوب في كل المهمات وبالتالي يفقدان السلطة ثقة الشعب.
رابعا تشكيل مجموعة فرق من ذوي الاختصاص ،فريق مختص بتوثيق جرائم وانتهاكات الاحتلال ، فريق قانوني مختص بصياغة الدعاوى المطلوب رفعها الى المحاكم الدولية ضد اسرائيل مؤسسات وافراد،فريق مختص بجمع مكونات السردية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية وتوزيعها بكل لغات العالم،فريق يضع خطة هجوم دبلوماسي مكثف لحشد الدعم الرسمي العالمي،فريق مختص برسم سياسات مقاطعة البضائع الاسرائيلية في الداخل والخارج،فريق اعلامي متخصص يرسم سياسة اعلامية تعتمد على المهنية والشفافية والواقعية تعتمد الخطة من كل وسائل الاعلام وبكل اللغات.فريق يعنى بتوحيد اللغة والمصطلحات.
خامسا تشكيل وحدات متخصصة في الحماية في القرى والاحياء مؤهلة لحماية المواطنين من اعتداءات المستوطنين ،تاهيل وحدات متخصصة في الاسعاف والانقاذ في كل الاحياء والقرى تحسبا من اجراءات عزل التجمعات السكانية من خلال الحواجز الموجودة والمحتملة في حال قررت اسرائيل تنفيذ خطة الحسم القاضية بضم الضفة الغربية.
سادسا ضرورة توفير المتطلبات الضرورية من مستلزمات طبية تُخزن في مستودعات يتم استحداثها في كل المحافظات كضمان في حالات الاغلاق،والعمل على ان يكون الموظفين العاملين في المحافظات من ابنائها لسهولة الحركة والوصول.
سابعا واخيرا ان تتوزع القيادة الفلسطينية على المحافظات حتى لتكون قريبة من الشعب و تتلمس احتاجاته وتشاركه احزانه وافراحه شريطة ان لا يكون المسؤول ابن نفس المحافظة.عندها سنكون قد وضعنا قطار الحرية على السكة وسنكون اقرب الى تجسيد كل تطلعات الشعب الفلسطيني وعلى راسها انجاز الدولة المستقلة ذات السيادة على كامل لاراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 والقدس عاصمتها خالية من كل ما له علاقة بالاحتلال.