الثلاثاء: 18/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

كمال جنبلاط: الرمز الذي قاوم الوصاية ورحل شهيدا

نشر بتاريخ: 17/03/2025 ( آخر تحديث: 17/03/2025 الساعة: 15:05 )

الكاتب: بسام زكارنه

في مثل هذا اليوم، 16 آذار 1977، اغتيل كمال جنبلاط، قائد الحركة الوطنية اللبنانية، في عملية اغتيال مروعة هزت لبنان والمنطقة بأسرها ، كان جنبلاط رمزاً للمقاومة ضد الهيمنة الأجنبية والعربية التي كانت تحاول أن تسيطر على لبنان وتمنع أي ظهور لمشروع لبناني مستقل يدعم فلسطين ويقف ضد الاحتلال الإسرائيلي.

منذ بداية نشاطه السياسي كان جنبلاط في قلب الحركة التي سعت إلى استقلال لبنان، وكان الداعم الأكبر للشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال ، شكل جنبلاط شراكة قوية مع ياسر عرفات وحركة فتح، وكانت أهدافهما مشتركة: تحرير فلسطين، واستقلال لبنان. كان جنبلاط يعبر عن رغبة اللبنانيين في التحرر من الوصاية الخارجية، لكن اغتياله لم يكن مجرد عملية قتل، بل كان محاولة لاغتيال مشروع مقاوم يمثل وحدة الدم اللبناني والفلسطيني في مواجهة الاحتلال.

لبنان: ساحة اغتيالات وأجندات إقليمية

لبنان هذا البلد الذي يتمتع بتنوع سياسي وديني معقد، ظل لعقود ساحة لصراعات إقليمية ودولية، حيث كانت القوى الكبرى والأنظمة العربية تسعى للهيمنة عليه ، اغتيالات قادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية كانت جزءاً من استراتيجية تهدف إلى إخماد أي دعم لبناني لفلسطين ومنع ظهور أي مشروع مستقل ، تدخلت القوى الخارجية في لبنان لتقويض أي محاولة لخلق دولة لبنانية حرة وقوية، وظل لبنان ساحة قتال مستمر، حيث اختلط الدم اللبناني والفلسطيني في مواجهة واحدة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

من بين القادة الذين تم اغتيالهم خلال هذه الفترة كان كمال عدوان، أبو يوسف النجار، وحسن سلامة، وجميعهم كانوا في صف واحد مع كمال جنبلاط بوحدة الدم اللبناني الفلسطيني و وحدة المصير و يدعمون المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ويؤمنون بحتمية التحرير ، كانت هذه الاغتيالات جزءا من مخطط أكبر للسيطرة على لبنان، وليس مجرد محاولات للتخلص من شخصيات ، كانت مسعى للقضاء على حركة تحريرية كانت تهدد مصالح العديد من الأطراف المتدخلين في المنطقة.

المقاومة اللبنانية والفلسطينية: دماء مشتركة في سبيل الحرية

في ظل هذه المحاولات المتواصلة لقمع المقاومة، كانت العلاقة بين لبنان وفلسطين أقوى من أي وقت مضى ، كل عملية اغتيال كانت تخلق مقاومة جديدة، وكل دم لبناني وفلسطيني سُفك كان يضاف إلى التزام لبنان الدائم بفلسطين ، كمال جنبلاط لم يكن وحده في هذا المسار، بل كانت هناك أجيال من القادة الذين سطروا تاريخاً من المقاومة ضد القوى المحتلة ، تلك الاغتيالات لم تنجح في وأد الفكرة بل كانت تزيد من تعزيز روح المقاومة في الشعب اللبناني الذي ظل ثابتاً في دعم فلسطين حتى يومنا هذا .

لبنان وفلسطين لم يكونا مجرد قضية سياسية ، بل كانت العلاقة بين الشعبين قضية مصير مشترك ، في كل معركة و في كل مواجهة، كان الدم اللبناني والفلسطيني يختلط معاً في جبهة واحدة ضد العدو الاسرائيلي المشترك ، كانت المقاومة الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من حركة التحرر الفلسطينية اللبنانية، وكان كمال جنبلاط أحد أبرز وجوه هذه المقاومة، يمثل حلماً لبنانيا فُجع برحيله الشعب اللبناني و الفلسطيني بل الامة العربية جمعاء ، لكنه ظل حياً في قلوب الأجيال التالية.

ظهور قادة لبنانيين: استمرار المقاومة رغم الاغتيالات

ورغم اغتيال كمال جنبلاط واستمرار محاولات إسكات المقاومة، لم تتوقف روح المقاومة اللبنانية ، ظهرت قيادات لبنانية جديدة تواصل ما بدأه جنبلاط، واحتفظت بمواقف ثابتة في دعم فلسطين وتحرير لبنان ، لم يكن حسن نصر الله هو القائد اللبناني الأخير الذي رفع راية المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بل كان هناك العديد من القادة الذين تولوا زمام الأمور وحملوا شعار المقاومة الفلسطينية اللبنانية.

رغم محاولات إضعاف لبنان، ورغم الاغتيالات التي استهدفت قادة المقاومة، فإن نتيجة تلك المؤامرات كان فشلًا ذريعا ، كل عملية اغتيال، وكل محاولة لإضعاف المقاومة، كانت تفضي إلى ظهور قادة جدد يقفون في الصفوف الأمامية في مواجهة العدو الاسرائيلي و كان هدف القوى الخارجية أن تحبط أي أمل في مشروع لبنان المستقل، ولكن الشعب اللبناني ظل ملتفاً حول فكرة المقاومة، وأثبت أن لبنان لن يتخلى عن فلسطين.

إذا كانت أهداف اغتيال كمال جنبلاط هي محاولة لقتل المشروع اللبناني المقاوم، فإن هذه الأهداف لم تتحقق. فجريمة اغتيال جنبلاط لم تكن سوى محاولة لفصل لبنان عن فلسطين، لكنها أثبتت أن الشعب اللبناني، بكل مكوناته، سيظل دائمًا داعماً لفلسطين ، و في كل مرحلة برز قائد لبناني جديد، يحمل الأمانة، ويستمر في النضال من أجل استقلال لبنان ودعمه المستمر لفلسطين.

لبنان وفلسطين، قضيتان لا تنفصلان

اليوم، وبعد سنوات طويلة من الاغتيالات والتدخلات الأجنبية، تبقى العلاقة بين لبنان وفلسطين ثابتة، وتظل قضية فلسطين جزءاً لا يتجزأ من الهوية اللبنانية ، و رغم محاولات إخماد هذه الروح المقاومة، لا يزال لبنان مصدراً للفكر المقاوم، وسيظل حتى النهاية مناصراً لفلسطين ، إن دماء كمال جنبلاط ورفاقه من اللبنانيين والفلسطينيين ستظل رافعة للمقاومة ضد أي محاولات لتحطيم الحلم اللبناني والفلسطيني في التحرر ، لبنان وفلسطين، قضيتان لا تنفصلان، والدماء التي سُفكت في سبيل التحرير لن تذهب هدراً .