الثلاثاء: 25/03/2025 بتوقيت القدس الشريف

إنهيار القيم الأخلاقية

نشر بتاريخ: 23/03/2025 ( آخر تحديث: 23/03/2025 الساعة: 11:42 )

الكاتب: رامي مهداوي

يمر العالم اليوم بمرحلة تاريخية تتسم بانهيار القيم الإنسانية وغياب الأمن الروحي والسلام، نتيجة تراجع المفاهيم التي قامت عليها الحضارة الحديثة، مثل العقلانية والحرية والعدالة والمساواة. لم يعد الإنسان مركز الاهتمام، بل أصبح مجرد أداة في منظومة استهلاكية تديرها قوى متحكمة بالقرار العالمي، وهو واقع يتجلى بوضوح في المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخاصة في غزة، حيث تُكشف الوجه الحقيقي لسياسات العولمة التي تُكرس الاستبداد والاستغلال.

إذا كانت العقلانية قد أنقذت البشرية من الظلامية في مراحل تاريخية سابقة، فإن العولمة المعاصرة تسير في اتجاه معاكِس، حيث أصبحت وسيلة لفرض الهيمنة والتفاهة وإضعاف الهوية الثقافية. في فلسطين، يتجسد هذا التناقض بوضوح: في الوقت الذي تتشدق فيه الدول الكبرى بقيم الحرية والعدالة، نجد أن حقوق الفلسطينيين تُنتهك يوميًا، في ظل صمت عالمي وتواطؤ القوى المسيطرة. الحرب على غزة مثال صارخ على هذه الازدواجية، حيث تُقابل المذابح والتشريد بتبريرات واهية، فيما تتبنى المؤسسات الدولية خطابًا زائفًا حول حقوق الإنسان.

في العقود الأخيرة، أضحت العولمة مدعومة بثورة رقمية حولت الإنسان إلى كائن مستهلِك، خاضع لإرادة الشركات العملاقة التي تسيطر على المعلومات وتوجه الرأي العام. وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يفترض أن تكون مساحة للحوار الحر، أصبحت أداة للتضليل وقمع الأصوات المعارضة. في غزة، تتجلى هذه العبودية الرقمية بأبشع صورها، حيث تُحجب الرواية الفلسطينية، وتُمارَس الرقابة الصارمة على كل محاولة لكشف الحقيقة. لقد أصبح التحكم في المعلومة سلاحًا يُستخدم لخدمة أجندات القوى الكبرى، مما يفاقم معاناة الشعوب المظلومة ويمنعها من إيصال صوتها إلى العالم.

ليس ما يحدث في فلسطين مجرد صراع محلي، بل هو اختبار حقيقي لضمير العالم ومصير الإنسانية. إذا استمر النظام العالمي في التواطؤ مع الاحتلال وقمع الحقوق المشروعة للشعوب، فإن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانهيار القيمي والتفكك الاجتماعي. العالم اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يعيد الاعتبار للمبادئ الإنسانية الحقيقية، أو أن يواصل السير نحو مستقبل تحكمه القوة العمياء والمصالح الضيقة.

يتوجب على المجتمع الدولي، إن كان جادًا في التمسك بالقيم الإنسانية، اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء معاناة الفلسطينيين. من بين هذه الخطوات:

1. فرض عقوبات دولية على الجهات التي تنتهك حقوق الإنسان في فلسطين، تمامًا كما يتم فرض عقوبات على دول أخرى عند ارتكابها جرائم مماثلة.

2. دعم المبادرات القانونية التي تسعى إلى محاسبة المسؤولين عن الجرائم ضد المدنيين في المحاكم الدولية.

3. تمكين الإعلام الحر لضمان نقل الحقيقة دون رقابة أو تزييف، مما يساهم في خلق وعي عالمي حقيقي حول الوضع في غزة.

4. الضغط السياسي والدبلوماسي لإجبار الأطراف الفاعلة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفقًا لقوانين الشرعية الدولية.

5. دعم الاقتصاد الفلسطيني من خلال تشجيع الاستثمارات والمشاريع التي تعزز من صمود الشعب الفلسطيني وتحد من تبعيته الاقتصادية.

يبقى السؤال مطروحًا: هل ستتمكن الإنسانية من استعادة قيمها وإنقاذ نفسها من السقوط في فخ العولمة المتوحشة؟ أم أن ما يحدث في غزة ليس سوى بداية لانهيار أوسع لنظام يدّعي الحضارة بينما يمارس الهمجية؟ الإجابة على هذا السؤال لا تتعلق بغزة وحدها، بل بمستقبل البشرية بأسرها.