الكاتب: د.نبيل عمرو
الإدارة الديموقراطية:
اندلعت الحرب وهي في عامها الأخير من قيادتها لأمريكا وتأثيرها الكوني، ومنذ اليوم الأول للحرب في السابع من أكتوبر 2023، لم تتوانى الدولة العظمى عن القيام باستعراض قوةٍ عسكري وسياسي، دخلت فيه طرفاً مباشراً تحت العنوان المألوف، حماية إسرائيل وتمكينها من الدفاع عن نفسها.
وفي مناورة من العيار الثقيل، دخلت الإدارة الديموقراطية إلى منتدى الوساطة لوقف الحرب، وتمكنت بنفوذها الكوني من فرض ازدواجية غير مسبوقة في العمل السياسي، وهي أن تكون طرفاً مباشراً إلى جانب إسرائيل في كل فصول الحرب، وفي ذات الوقت أن تكون وسيطاً رسمياً لوقفها.
أدت الإدارة الديموقراطية هذا الدور على النحو الذي وفر لنتنياهو الفرص الثمينة لإطالة أمد الحرب، مستخدماً "الازدواجية الديموقراطية" إذ لم يكن لينقصه شيء في قيادته المطلقة لها، فالجسر السياسي امتد من البيت الأبيض والخارجية والبنتاغون عبر الحجيج المكثف لكل أقطاب الإدارة بمن فيهم الرئيس لإسرائيل، مترافقاً مع الجسر الجوي الذي لم يتوقف يوماً عن نقل السلاح والعتاد إلى الجبهة مباشرة، ومترافقاً كذلك مع الرقم القياسي لاستخدام الفيتو حتى ضد الإجماع الدولي على وقف الحرب.
في أداء الدور المزدوج كان لابد من إظهار اختلاف بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية، ولكن في أمور ثانوية تتصل بالأداء وليس بالمضمون، ودون إطالةٍ في سرد الحيثيات، فقد تمكنت الإدارة الديموقراطية من وضع سيناريو إنهاء الحرب، وفق شروط مرضية لكل أطرافها، وبصياغة تخدم الحملة الانتخابية الديموقراطية التي بالحرب ومن دونها كانت تعاني من ضعفٍ ينذر بسقوطها.
على مدى أكثر من سنة عالجت الإدارة الديموقراطية الحرب في الشرق الأوسط على نحوٍ أدى إلى مذبحة غزة وتدميرها كلياً، وامتداد الحرب إلى سبع جبهات وفق وصف نتنياهو لها، ما أدى لدخول المنطقة كلها إلى حالة حرب، إن لم تشارك فيها الجيوش النظامية للدول، إلا أنها جميعاً دفعت أثماناً بفعل عصفها، وما تحمله من احتمالات خطرة على أمنها القومي.
كانت حرباً إقليمية من حيث أطرافها وساحاتها، وعالمية من حيث التأثر بها.
رحلت الإدارة الديموقراطية مخلفةً وراءها دماراً على مستوى المنطقة كلها، وقد سلمت إدارة ترمب تركة ثقيلة، كان ظاهرها نجاحاً تحقق له دون أن يشارك فيه، مجسّداً في سيناريوهات إنهاء الحرب على الجبهة اللبنانية ثم جبهة غزة.
الإدارة الجمهورية:
تسلّم ترمب إنجازاً جاهزاً، ولكنه لم يحسن التعامل معه، ذلك لفقدانه التوازن الشخصي بفعل النجاح المذهل الذي تحقق له في الانتخابات، ما هيّأ له أنه قادر على فعل أي شيءٍ وحل أي قضية مهما بدت مستحيلة.
وإذا كان لا يهمنا كثيراً ما قاله عن كندا وجرينلاند وبنما، وما يفعل داخل أمريكا ذاتها، إلا أن ما يهمنا حقاً هو كيف يعمل ترمب في منطقتنا، وما هي النتائج المترتبة على ما يفعل؟
في لبنان، منح إسرائيل الحق في العمل بحرية، وفق ما تراه مناسباً. لم يقتصر الأمر على خمس نقاطٍ داخل الأراضي اللبنانية، بل باستباحة كل لبنان واعتبار كل جغرافيته هدفاً موافقاً عليه، بما في ذلك قصف المدن دون الحاجة إلى ذريعة لذلك.
وبالنسبة لغزة فقد نقلت الإدارة الجمهورية الموقف الأمريكي من حالة الازدواجية بين دعمٍ لإسرائيل ولعبٍ لدور الوساطة، إلى حالةٍ يصل فيها الدخول الأمريكي على خط الحرب إلى قيادتها، بصورةٍ مباشرة، فإمّا أن تفعل غزة ما يريده نتنياهو وبن غفير وسمورتيتش، وإلا فأبواب الجحيم الأمريكي ستفتح.
والسؤال بعد كل ذلك، أي بعد أداء إدارتين في فترة زمنية قصيرة، إلى أين سيفضي ذلك كله؟
لا أفق لوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، ما دام الأمر بيد نتنياهو، ولا أفق كذلك لانتهائها على غزة ما دامت الحرب صارت هدفاً بحد ذاته لاتصالها الوثيق بمستقبل نتنياهو السياسي.
الخلاصة.. إن سياسة الإدارتين تجاه الشرق الأوسط فيها أساسٌ مشترك... الديموقراطيون يعرفون كيف تنتهي الحروب، ولا يعملون وفقاً لما يعرفون، والجمهوريون يعرفون كذلك ولكنهم يعملون عكس ما يعرفون، وهيهات لسياسة دولةٍ عظمى ذات نفوذٍ كونيٍ أن تفضي إلى غير ما نراه الآن من دمار في كل مكان.