الإثنين: 07/04/2025 بتوقيت القدس الشريف

ترامب يريد الهيمنة على العولمة عبر امركتها

نشر بتاريخ: 06/04/2025 ( آخر تحديث: 06/04/2025 الساعة: 10:58 )

الكاتب: د. محمد عودة

يستخدم مصطلح العولمة لوصف الترابط المُذهل والمتزايد بين اقتصادات العالم وثقافاته وسكانه، فعند القول أنّه تمّت (عولمة) شيئاً ما فهذا يعني اتخاذه طابعاً وامتداداً عالمياً، حيث تجاوز الحدود الجغرافية.

يقول صندوق النقد الدولي ن مفهوم العولمة يشير إلى: "تحقيق التكامل الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، خاصًة من خلال تسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال عبر الحدود، كما يشمل أيضاً تسهيل انتقال المعلومات والتكنولوجيا وحتى الأشخاص أنفسهم في كافّة أرجاء العالم.

من اهم مظاهر العولمة التكنولوجيا والاتصالات وفرت إمكانية التواصل مع الجميع في أيّ وقت وفي أيّ مكان، نعم هذا ما أتاحته العولمة من خلال التقنيات الحديثة للاتصال، بما في ذلك الشبكات اللاسلكية المتطورة، وتقنيات 5G أو 4G، وبرامج ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل، حيث أصبح بالإمكان التواصل مع أيّ شخصٍ من مختلف أرجاء العالم في غضون دقائق معدودة فقط.

ومن مظاهر العولمة التكامل الاقتصادي حيث أنّ الاقتصادات الوطنية أصبحت مرتبطة ببعضها البعض بشكلٍ أقوى من أي وقتٍ مضى من خلال توزيع الموارد، وإدارة عمليات التصنيع الاقتصادية بشكلٍ أكثر كفاءة بين البلدان، لقد أتاحت العولمة للشركات المختلفة الاستثمار وتحقيق الأرباح بسهولةٍ وفعالية من خلال الوصول الى المستهلك في كل البلدان.

لقد اتاحت العولمة تعاونا غير محدود في كل الجوانب، الصحية، السياسية، القانونية والبيئة بين اشياء اخرى كثيرة مما وفر بيئة معقولة نسبيا لتعاون المنظمات الدولية مع المنظمات المحلية المختصة في العديد من دول العالم، حيث تعاونت المؤسسات المحلية في الكثير من الدول مع مؤسسات الامم المتحدة لمواجهة العنف والارهاب.

اسهمت العولمة في نشر ثقافة حماية البيئة واعتبار ذلك واجب مشترك، وأنّ على كل الدول القيام بكل ما بوسعها لتحقيق ذلك، فتجد الكثير من هذه الدول تتبنى حملاتٍ مشتركة لإيجاد حلول للتغير المناخي، وكذلك قضايا الاحتباس الحراري والتلوث البيئي، والبحث عن حلولٍ فعّالة لتحقيق الاستدامة البيئية.

لقد اثرت العولمة على العالم سلبا وايجابا فقد جعلت المجتمعات أكثر إبداعاً وازدهاراً، ولكنها جعلتها أيضاً أكثر عُرضة للخطر ومن الاثار الايجابية التحسن الملحوظ في مستويات المعيشة في بعض الدول النامية مما اسهم ي انخفاض نسبة الفقر وتوفير حياة اكثر جودة، كما ساهمت العولمة في تقليص احتمالية نشوب النزاعات والحروب بين الدول.

أيضاً، زادت العولمة من الوعي الثقافي، حيث نشرت الوعي بقيم وثقافات الشعوب الأخرى، مما خفف من الكراهية والعنصرية، كما ساهمت في انتشار العلم والمعرفة بشكلٍ أسرع وأوسع بفضل التقدّم التكنولوجي وسهولة الاتصال.

من اهم الآثار السلبية ة للعولمة احتكار السوق في الدول النامية، والتأثير سلباً على التجّار المحليين، بالإضافة إلى اختلاط بين الثقافات ادى في بعض الاحيان الى تشويه للثقافة الاصلية وبروز ثقافة هجينة، اضافة الى كل ما سلف، استغلت فروع الشركات الكبرى في الدول النامية العمالة المحلية، من حيث الاجور المتدنية، عدم توفير البيئة المناسبة والامنة،

العالم اليوم امام خطر جديد اسمه امركة الكوكب وليس امركة الولايات المتحدة كما طرح فرانكلين روزفلت، فكرة روزفلت للأمركة كانت من منطلق الحفاظ على الولايات المتحدة الامريكية حيث اعتمد على تفاؤله ونشاطه لرفع الروح الوطنية. وخلال أول مائة يوم في منصبه، أقر روزفلت مجموعة تشريعات اتحادية لم تشهدها البلاد وهي عبارة عن مجموعة من البرامج الاقتصادية لإغاثة الشعب (وظائف حكومية للعاطلين عن العمل)، والانتعاش (النمو الاقتصادي)، والإصلاح (من خلال تنظيم وول ستريت والبنوك والنقل). وقد أنشأ العديد من البرامج لدعم العاطلين عن العمل والمزارعين، وشجع نمو نقابات العمال، ونظم الأعمال التجارية والتمويل العالي.

اما الامركة على الطريقة الترامبية فهي تختلف تماما عما اراده روزفلت، حيث يريد ترامب امركة العالم وليس الامركة الداخلية، وبما ان البنية العالمية التي نشأت بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية تحول دون امركة العالم ما دامت امريكا تشكل العمود الفقري لهذه البنية وعليه فان ترامب بدأ بتفكيك تلك البنية للإتاحة المجال اما بنية جديدة تشكل تتفرد في قيادتها أمريكا شريطة ان يكون الثمن على حساب الاخرين ومن هنا يمكن فهم الانسحابات الامريكية المتتالية من المؤسسات الاممية ،فان نجح ترامب في هدم تلك البنية فانه سيعمل على اعادة بنائها بما يخدم الامركة بالمفهوم الترامبي مما سيحول الدول الشريكة ولو بشكل نسبي الى دول تابعة.

ومن هنا نخلص الى النتيجة التي تبرهن بلا أي مجال للشك على ان هناك فهم مغلوط لدى البعض بان امريكا تريد امركة نفسها عبر الانكفاء نحو الداخل ،والحقيقة ان ليس هناك انكفاء بل بناء اسس تؤدي الى امركة العالم ،ترامب يريد امركة كندا والمكسيك وبنما وغرين لاند وغزة ودول الخليج كخطة على طريق امركة العالم، عندها سيتعامل مع الدول كأنها ولايات تابعة لحكومة مركزية يقودها هو او اي من انصار المذهب الذي اخترعه لنفسه واسماه البعض المسيحية الصهيونية ،والحقيقة ان هناك مسيحية واحدة هي منه براء، والاصح انه يمثل الاستعمار الذي تشكل الصهيونية احدى اذرعه.

والدليل على صدق ما نقول القرارات التي اتخذها بالأمس والقاضية برفع التعرفة الجمركية على العديد من دول العالم كخطوة تجريبية لفرض رسوم جمركية على بقية دول العالم لاحقا، لكن ما لم يكن يتوقعه ترامب هو التمرد الحاصل في الكثير من الولايات وأبرزه ما أعلن عنه بالأمس حاكم ولاية كاليفورنيا الذي رفض قرارات ترام ووعد بان يني علاقات متكافئة مع الكثير من الدول.

في مواجهة امركة العالم مطلوب ائتلاف دولي عريض ليس بالضرورة مدافعا عن العولمة بمفهومها المعروف قبل ترامب، وانما سعياً لإيجاد صيغة في تعددية تحكمها قيم ومبادئ الانسانية حتى نحمي الكوكب من عبث من يعتقد انه رب الكون يأخذ ما يريد ويعطي من يريد.