الإثنين: 07/04/2025 بتوقيت القدس الشريف

إلى عزّ الدين مناصرة في ذكرى رحيله

نشر بتاريخ: 06/04/2025 ( آخر تحديث: 06/04/2025 الساعة: 11:25 )

الكاتب: صادق الخضور



تتوالى الأعوام، ومع مرور أربعة أعوام على رحيله يظل الشاعر الراحل عز الدين مناصرة نموذجا معبرا عن الإبداع الفلسطيني في أروع تجلياته، حيث لا زالت بصماته الإبداعية الشعرية والنقدية والفكرية والأكاديمية علامة فارقة.
عز الدين مناصرة؛ الوفي للأمكنة؛ بني نعيم، والخليل، وبيت لحم، وللقدس ولفلسطين التي حملها معه أنّى ارتحل؛ في قلبه قبل شعره، نقول له في ذكرى رحيله: الأماكن كلها تشتاق لك.
يا عز الدين؛؛ لا زال في الخليل عنب وإن تراجع المنسوب، ولا زال الخروج من البحر الميت احتمالا يؤرق الجميع، وقمر جرش لمّا يزل حزينا، وطائر الوقواق كما كان ليس أهلا للثقة بعد.
في رحيلك لا زالت الحركة النقدية غائبة أو تكاد، ولا زلنا نتكئ على إبداعك وأبناء جيلك ممن أبدعوا وكأن الظن بأن فلسطين تضنّ حينما يرتبط الأمر بجيل جديد من المبدعين الذين يكملون مسيرة درويش والقاسم ومناصرة وزيّاد والخطيب.
في مقطع واحد لخّص عز الدين مناصرة حكاية الفلسطيني حين قال:
أنا عزالدين المناصرة
سليلُ شجرةِ كنعانَ، وحفيدُ البحرِ الميّت
قبطانُ سفنِ الزُّجاجِ المحمَّلةِ بالحروفِ،
أسافرُ في مدنِ العالمِ، كحمامةٍ زاجلةٍ،
أحملُ رموزًا ورسائلَ،
من بني نعيمٍ إلى داليَّة الكرمل:
هو قلبي الذي يتمدد، تحت بساطير الجنودِ الغرباء
شلَّالُ دمِي في عاصمةٍ برتقاليَّةٍ، صهيلٌ كالمهر
ولا أشكُو،
فالشَّكوى... لغيرِ (الخليل)...مذلة
ففي المقطع حضور وإحالة للجذور حيث الكنعانية الممتدة حبلا سريا يربط الحاضر بالماضي، وحكاية السفر التي لازمته، وما بين الرموز والرسالة والانطلاق من بني نعيم ثم اعتبار أن الشكوى لغير الخليل مذلة تعبير عن خصوصية الحالة.
عز الدين مناصرة الذي لم يكن مجرد شاعر بل كان في الوقت ذاته ناقدا أسس لحالة نقدية في توقيت لم يرتق فيه الواقع النقدي عموما إلى مستوى المأمول، فالوضع النقدي محكوم بعد الفاعلية وبالخمول.
في ذكرى رحيله؛ نفتقد صوتا حرا، وشخصية ذات رؤية ثاقبة، وأكاديميا متخصصا، وشاعرا وظّف المكان والتراث بصورة إبداعية شكلّت حالة استثنائية.
لا زال وفاء أهل بلدته بني نعيم ممتدا، فقد بات مؤتمر عز الدين مناصرة حدثا ثقافيا يفرض حضورا عاما بعد عام، وسط تساؤلات عن غياب احتفاء المشهد الرسمي بمبدعينا الراحلين، فما الذي يحول دون تنظيم مؤتمر وطني متخصص حول رواد الشعر الفلسطيني.
برحيلك، تأكدت مخاوفك من الموت في المنفى لكن ثق أن إبداعك سيبقى الكفيل بحضورك، لتروي رؤاك وإبداعاتك عروق الوفاء الممتدة، فإن غبت وتوارى الجسد لن يتوارى التساؤل حين قلت:
وبكيتُ فوقَ الجسرِ بينَ القدسِ، فالوادِي السَّحيق
وصرختُ من يأسِي، ومن طولِ السَّفر
لو ماتَ فارسُك المجيدُ وماتَ ناطورُ الشَّجر
فادفن عظامِي يا حبيبِي، تحتَ كرمتِنا، على الجبلِ العتيق
تتعتَّقُ الأيامُ والأعوام
ويسحُّ في الشَّامِ المطر
تنمو، وتخضرُّ العظام
فادفن عظامِي... وانتظر
يومًا من الوادِي، شروقي
إني لأخشَى الموتَ في المنفى... فمن
يروِي عُرُوقي؟!
لقد شكّل " الزمكان" عنصرا فاعلا في التجربة الشعرية للمناصرة، وهو كان من السبّاقين للحداثة شعريا ونقديا، وطرق عديد المحاور التي أسست لحالة غير مسبوقة من الحوار المعمق حيال قصيدة النثر والتناص والتشكيل الشعري .
وكأنه استشرف ذات مرة بأن نيسان سيكون شهر رحيله، فهو أقسى الشهور:
نيسان أقسى الشُّهور، يُخرج
الليلكَ من الأرض الموات، يمزج
الذكرى بالرغبة، يحرِّك
خامل الجذور بغيث الربيع.
نعم، نيسان يمزج الذكرى بالرغبة، ومع حلول ذكرى رحيلك تمتزج الذكرى بالرغبة، وحين يقترن الأمر ببعض الشخوص، ففي كل ذكرى، يتوارى الجسد وتبقى الفكرة، فرحمك الله، شاعرا مبدعا، وناقدا متميزا، ومفكرا رائدا، ووطنيا بامتياز؛ وصاحب مسيرة باعثة على الاعتزاز.