الكاتب: د.فوزي علي السمهوري
بداية لا بد وأن نؤكد على حقائق ومعايير راسخة هامة تنطبق على جميع دول العالم لتقييم والحكم على تصنيف وطبيعة أنظمة الحكم وعلى راسها :
أولا : هل هناك تداول سلمي للسلطة عبر إنتخابات دورية نزيهة تمكن الشعب من إختيار حاكمه بحرية ودون خوف .
ثانيا : هل هناك فصل بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية .
ثالثا : هل هناك مواطنة بمفهومها الشامل .
رابعا : هل هناك تنمية إقتصادية وتوزيع عادل للثروات .
خامسا : هل هناك محاربة للفساد باشكاله المالية والإدارية .
سادسا : هل هناك إعمال لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللعهود والمواثيق والإتفاقيات الدولية ودعم لتمكين الشعوب من الحرية والإستقلال وتقرير المصير وتصفية للإستعمار إعمالا لمبادئ وميثاق واهداف الأمم المتحدة دون إزدواجية او إنتقائية .
ما تقدم من مرتكزات إذا ما توفرت يمكن لنا أن نقول ان تلك الدولة دولة ديمقراطية وتتمتع بنظام حكم رشيد وتحترم إلتزاماتها أمام شعوبها وأمام المجتمع الدولي ، اما في حال غيابها او غياب اي منها ينطبق عليها الدعوة لإجراء إصلاحات جوهرية تصب في خدمة وحقوق مواطنيها وتعزيزا لسيادتها وإستقلالها دون هيمنة او تبعية لقوى خارجية .
يبقى السؤال كم دولة على إمتداد العالم تنطبق عليها المعايير أعلاه بما فيها امريكا واوربا ؟
أعود إلى العنوان الرئيس بالتساؤل عن أسباب وعوامل تصاعد دعوات إصلاح السلطة الفلسطينية وبرؤية سلطة متجددة مع إستمرار الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لاراض الدولة الفلسطينية المحتلة ورفض الكيان الإسرائيلي المصطنع بدعم امريكي تنفيذ اي من القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الداعية لإنهاء إحتلالها لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا إضافة إلى تنصلها من تنفيذ إلتزاماتها المترتبة عليها بموجب إتفاق المرحلة الإنتقالية " إتفاق اوسلو " المبرم مع منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في أيلول ١٩٩٣ الذي ينص على إنهاء تطبيق إتفاق اوسلو خلال فترة زمنية اقصاها خمس سنوات كان يفترض ان تنتهي بايار ١٩٩٩ بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
ولماذا تأتي هذه الدعوات بهذا التوقيت من امريكا ومحورها وادواتها خلال السنوات الأخيرة وخاصة ما بعد السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ في خضم حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها المستعمر الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الأرض الفلسطينية المحتلة وفي ظل العجز العربي والدولي عن إلزام أمريكا واداتها إسرائيل بوقف جرائمها الوحشية التي إستهدفت ولم تزل تستهدف الشعب الفلسطيني في مؤامرة لإقتلاعه وتهجيره قسرا من وطنه التاريخي في محاولة لإعادة سيناريو عام ١٩٤٨ و١٩٦٧ بالطلب من السلطة الفلسطينية " كونها باعتبارهم الحلقة الأضعف " إجراء إصلاحات والدعوة لسلطة متجددة دون تحديد ما هي الإصلاحات المطلوبة وما مفهوم سلطة متجددة وما هي مهامها الجديدة :
▪︎ هل لكسب ود ورضى أمريكا واداتها الكيان الإستعماري الإرهابي الإسرائيلي ؟
▪︎ ام تمهيدا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وهذا خيار غير وارد في ظل الإنحياز الامريكي ؟
▪︎ ام لإستغلال هذه الدعوات التي تحمل في ظاهرها الحق بينما في باطنها تحمل الباطل لمنح سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي الذرائع لرفض إنهاء إحتلالها وللإمعان بفرض سياسة الأمر الواقع بحكم القوة العسكرية على اراض دولة فلسطين المحتلة من تغييرات جغرافية وديموغرافية وتشريعية وإرتكاب كافة اشكال الجرائم والإنتهاكات بحق الشعب الفلسطيني من قتل خارج القانون وإعتقالات تعسفية ومصادرة أراض وتدمير المنازل والمزارع وإنتهاك للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس والخليل وبيت لحم وغزة وغيرها وتدمير لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وتهجير قسري للشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة او الضفة الغربية .
▪︎ ام ذريعة لتقويض حق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وما قرار الكنيست برفض إقامة دولة فلسطينية وبدعوة قادته بقصف غزة بالسلاح النووي إلا دليل على ذلك .
ما بين الإصلاح المطلوب امريكيا والمطلوب فلسطينيا :
الإصلاح والتقدم والتطوير مطلب مشروع للشعوب وليس وسيلة لتحقيق اهداف دولة إستعمارية متغطرسة تتمتع بالقوة تسعى لفرض سطوتها عبر وكلائها .
الإصلاح المنشود ذلك الإصلاح الذي يفضي إلى بناء ونهضة وازدهار وتعزيز منعة وقوة لجميع الدول كبيرها وصغيرها .
اما في الحالة الفلسطينية هناك إختلاف وتناقض جوهري لمفهوم الإصلاح بين الإرادتين الإسروامريكية والفلسطينية .
الهدف الإسروامريكي : يتمثل بفرض قيادة تقبل بدور تنفيذي للمشروع الإستعماري الإحلالي بالتخلي عن اهداف النضال الوطني الفلسطيني بالتحرر من نير الإستعمار الإحلالي الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام ١٩٤٨ والقبول بتحويل القضية الفلسطينية من بعدها النضالي الوطني لشعب مناضل من اجل الحرية والإستقلال إلى بعد إنساني معيشي لجالية سكانية محرومة ومجردة من حقوقها الأساس السياسية والتاريخية والوطنية والحقوقية على أرض وطنها المكفولة دوليا وفي مقدمتها حق تقرير المصير وسيادته على ارضه وثرواته وتركيع إرادة الشعب الفلسطيني الوطنية النضالية .
الهدف الوطني الفلسطيني :
اما الهدف النضالي الوطني للشعب الفلسطيني يتناقض كليا مع الأهداف الإسرائيلية الأمريكية حيث يتمثل :
أولا : المضي بنضاله بكافة الوسائل المكفولة دوليا حتى نيل حقوقه الأساس أسوة بباقي شعوب العالم بالحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
ثانيا : رفض كافة المخططات الإسروامريكية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تقويض حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وإنكار حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام ١٩٤٨ تنفيذا للقرارات الدولية .
ثالثا : التصدي لمؤامرة التهجير القسري للشعب الفلسطيني وما حرب الإبادة والتطهير العرقي والحصار الشامل التي يمعن ألكيان الإسرائيلي بدعم امريكي بإرتكابها بقطاع غزة وبالضفة الغربية من نهر الأردن إلا الترجمة العملية التنفيذية لمخطط إقتلاع شعب من وطنه التاريخي وما صمود الشعب الفلسطيني على ارضه ورفضه كل المغريات لمغادرة الوطن إلا تأكيد عملي على رفض مؤامرات التهجير القسري .
رابعا : التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبالتالي رفض كل آليات الضغوط لفرض قيادة جديدة تتنازل عن الثوابت الفلسطينية او تعمل وكيلا عن سلطات الإحتلال الإسرائيلي .
خامسا : ممارسة حقه بملاحقة الكيان الإسرائيلي الإرهابي المصطنع لدى المحاكم الدولية وبالدول التي يسمح قوانينها بالولاية القضائية عالميا على طريق إنهاء الإحتلال غير القانوني وغير الشرعي وفقا لقرار الجمعية العامة .
سادسا : التأكيد على القرار الفلسطيني المستقل الذي تجسده عمليا منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة عمودها الفقري حركة فتح والذي لا يعني إغفال الدور القومي والإسلامي وللدول الصديقة بأهمية التنسيق البيني والتوافق على الاستراتيجيات بما يدعم اهداف الشعب الفلسطيني النضالية .
سابعا : رفض كل مشاريع تقسيم أراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا بموجب قرار الجمعية العامة رقم ١٩ / ٦٧ / ٢٠١٢ إلى كيانات منفصلة او لوحدات إدارية غير متواصلة ودون مرجعية الشرعية الفلسطينية والتأكيد على سيادتها على ثرواتها وعلى المعابر الدولية البرية والجوية والبحرية .
للعوامل أعلاه باتت الدعوة الأمريكية الإسرائيلية ومحورها لسلطة متجددة وإصلاحات مريبة مترافقة مع إتهام القيادة الفلسطينية ورمزها السيد الرئيس محمود عباس بممارسة الإرهاب الدبلوماسي نتيجة لنجاح الدبلوماسية الفلسطينية مدعومة من الأردن ومصر والسعودية والجزائر ومن دول إسلامية وصديقة بعزل السياسة الإسروامريكية دوليا وتعرية إزدواجيتها بالتعامل مع الشرعة والقرارات الدولية المعبر عنها بارتفاع عدد الدول الأعضاء بالأمم المتحدة المعترفة بالدولة الفلسطينية كعضو مراقب ولولا الفيتو الأمريكي لكانت دولة فلسطين دولة عضوا عاملا بكامل الحقوق والواجبات باتت منظمة التحرير ببرنامجها الوطني عبئ وعقبة أمام نجاح المخطط الإسروامريكي للمنطقة برمتها .
الإصلاح الأساس المطلوب من دول العالم قبل المطالبة بالإصلاح الفردي للدول المبادرة لإحداث إصلاح دولي يبدأ من إصلاح الأمم المتحدة عبر تعديل ميثاق الأمم المتحدة الذي عفى عليه الزمن لفشله :
▪︎ بحكم صلاحية الفيتو المناطة حصرا بالدول دائمة العضوية بمجلس الأمن
▪︎ ولغياب مبدا العدالة والمساواة بين جميع الدول .
▪︎ الفشل الذريع بتحقيق اهداف الأمم المتحدة بتجسيد السلم والأمن الدوليين وبإنقاذ البشرية والإنسانية من ويلات الحروب
▪︎ الفشل بإلزام الدول الإستعمارية كالكيان الإسرائيلي بتصفية الإستعمار و تحرير الشعوب من الإستعمار تمثل الحرية والإستقلال شرطا لإصلاح حقيقي لدى الدولة الفلسطينية المحتلة التي يحول دون بناءها نظام ديمقراطي فلسطيني وحكم رشيد بكامل المعايير بقاء الإحتلال الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي لاراض الدولة الفلسطينية المحتلة وما يرافقه من إنتهاكات وجرائم وسطو على اموال الشعب الفلسطيني الذي يقف مانعا أمام اي إجراءات إصلاحية سياسية وإقتصادية وتشريعية كما يصبوا إليه الشعب الفلسطيني وعلى راسها تمكين الشعب الفلسطيني من الحرية وإقامة دولته المستقلة وتحقيق التنمية المستدامة .
اما الإصلاح المطلوب فلسطينيا وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بما يعزز قوة النضال الوطني الفلسطيني من اجل الحرية والإستقلال ودحر المستعمر الإسرائيلي يأتي في المقال القادم إن شاء الله .....؟!.