الكاتب:
علي سالم
تستعد السودان لدخول عامها الثالث من الحرب الأهلية خلال أيام، حيث لا تزال نيران الصراع مشتعلة بلا هوادة، محمّلة بمزيد من الانتهاكات والدمار الذي يهدد بإغراق البلاد في هاوية لا قرار لها، وفي ظل استمرار الحرب والانتهاكات ، أعلن رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، مؤخراً تمسكه بمواصلة الحرب، رافضاً بشكل قاطع أي مساعٍ للتفاوض أو وقف إطلاق النار، وهو موقف يعكس إصراراً على استمرار النزيف البشري والمادي. هذا التصعيد يأتي وسط أزمة إنسانية خانقة، حيث تتفاقم المجاعة ويتزايد النزوح الداخلي، مع نزوح ملايين المواطنين من ديارهم، تاركين خلفهم واقعاً يئن تحت وطأة الجوع والخوف، بينما تتوارى آمال السلام خلف غيوم الحرب الكثيفة.
مع استمرار النزاع المسلح في الخرطوم، تتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان وتتسع رقعتها، حيث تتعدد أشكالها وتتنوع أساليبها بشكل يثير القلق الدولي. فقد وثّقت تقارير موثوقة وشهادات حية ارتكاب الجيش السوداني وفصائل متطرفة متحالفة معه جرائم خطيرة، بما في ذلك الإعدامات الميدانية والقتل الجماعي التعسفي. وفي هذا السياق، أشار تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بتاريخ 15 مارس 2025 إلى أن "القوات المسلحة السودانية والجماعات المتحالفة معها نفذت عمليات قتل غير قانونية، استهدفت المدنيين بشكل متعمد في العاصمة الخرطوم"، مستندة إلى شهادات ناجين ومقاطع فيديو تم تداولها على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وفي الآونة الأخيرة، انتشرت تسجيلات مصورة تكشف عن فظاعة هذه الانتهاكات، حيث أظهرت مشاهد مروعة لعمليات إعدام فوري وتصفية جماعية نفذتها قوات الجيش والفصائل الموالية له، مما أثار استنكاراً عالمياً؛ ولم تقتصر الجرائم على ذلك، بل امتدت لتشمل ملاحقة المدنيين من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة المتحالفة مع الجيش، التي استهدفت السكان في أحياء العاصمة بتهم واهية وغير مدعومة بأدلة، مثل الاشتباه في تعاونهم مع الجهات المعادية وفي إحدى الشهادات الموثقة التي نقلتها منظمة "العفو الدولية" في تقريرها الصادر بتاريخ 2 أبريل 2025، قال أحد الشهود: "لقد اقتادوا الشباب من منازلهم بلا تهمة واضحة، ثم أطلقوا النار عليهم أمام أعين عائلاتهم دون رحمة أو تردد"، مما يعكس وحشية هذه الممارسات التي تجري على مرأى ومسمع المجتمع المحلي.
ظاهرة القتل التعسفي
قالت الناشطة الحقوقية رحاب المبارك، عضو هيئة "محامو الطوارئ" في السودان إن مجموعتها نجحت في توثيق عدة جرائم قتل ارتكبها الجيش السوداني خلال الأيام الماضية التي أعقبت سيطرته على العاصمة الخرطوم.
وفي تصريحات نشرها موقع "دبنقا" السوداني، أكدت المبارك أن أفراد من الجيش السوداني ارتكبوا جرائم قتل تعسفي في مناطق الجريف غرب، وبحري، والكلاكلات، وأماكن أخرى.
وأشارت الناشطة إلى قيام عناصر الجيش السوداني والجماعات المتطرفة الموالية له بتصفية عدة أشخاص علنا، بعد توجيه اتهامات لهم بالانتماء إلى قوات الدعم السريع، على الرغم من أنها تنتقي عناصر من بين المدنيين لا علاقة لهم بالحرب.
تصنيف جرائم الجيش
وصنفت المبارك الجرائم التي ارتكبها الجيش السوداني على أنها تتم على أساس عرقي أو بدوافع سياسية بهدف تصفية بعض الخصوم أو المنتمين لهم.
وتحدثت ممثلة "محامو الطوارئ"، أن قوات الجيش السوداني والميليشيات المتطرفة الموالية له لا تكتفي فقط بجرائم القتل والانتهاكات والعنف التي تتم بصورة ممنهجة.
وأشارت المبارك إلى تسجيل شهادات حول اقتحام العناصر المسلحة لمنازل المدنيين ونهب محتوياتها أو إجبارهم على الخروج منها واحتلالها لفترة من الوقت.
تصاعد العنف في العاصمة
وأكدت "مركزية مؤتمر الكنابي" أن مناطق جنوب الحزام بالخرطوم، شهدت تصاعد في حدة العنف وجرائم القتل منذ انتشار قوات الجيش السوداني هناك بصورة مكثفة بالتعاون مع الميليشيات المتطرفة التي تتبعها كظلها في كل عملياتها.
وتحدث رئيس مركزية مؤتمر الكنابي، جعفر محمدين، في حديث لراديو دبنقا عن وقوع "انتهاكات خطيرة" من بينها عمليات قتل في الطرقات العامة، مؤكدا أن هذه الجرائم تم توثيقها بالفعل.
وشهدت بعض القرى والطرقات في جنوب الخرطوم، وجود عشرات الجثث الملقاة جنبا إلى جنب، إذ تجمع القوات المسلحة السودانية والجماعات المتطرفة المرافقة لها ضحاياها في مكان واحدة، وتطلق عليهم النار بشكل هستيري وجماعي لتسقطهم في بركة من الدماء ثم تتركهم وترحل بحثا عن غيرهم.
دعوات لوقف جرائم الجيش
وكان المفوض السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، قد دعا الجيش السوداني لوقف عمليات القتل التعسفي والتمييزي ضد المدنيين، وإبعادهم عن الصراع العسكري الدائر في البلاد.
وأعرب تورك عن قلقه وفزعه إزاء التقارير التي تؤكد عمليات قتل خارج إطار القانون على نطاق واسع في العاصمة السودانية، بعد أن سيطرت الميليشيات الإسلامية المتطرفة مع قوات الجيش السوداني عليها.
وشدد المفوض الأممي على ضرورة وقف الانتهاكات التي ترتكب ضد المدنيين في أسرع وقت، والعمل على ضمان عدم تكرارها في الفترة المقبلة من خلال محاسبة الضالعين في جرائم القتل والعنف.
وقال تورك: "أشعر بقلق كبير بعد ورود تقارير تؤكد وقوع العديد من حالات الإعدام دون محاكمات عادلة أو حاجة قانونية، في عدة مناطق بالخرطوم".
وتطالب الأمم المتحدة الجيش السوداني بضرورة احترام "الحق في الحياة" للشعب السوداني، وعدم المساس بالمدنيين خلال الصراع الدائر، واحترام القانون الدولي والإنساني بتجنيبهم الصراع.
وتتزايد الدعوات محليا ودوليا كل يوم، الموجهة إلى الجيش السوداني، من أجل حثه على وقف عمليات الإعدامات الميدانية والقتل الممنهج ضد المدنيين.
الجرائم لا تتوقف
وكان الجيش السوداني قد قصف سوقا شعبيا في شمال دارفور الشهر الماضي، ما أسفر عن مئات القتلى والجرحى، ودمار كامل للبنية التحتية في المنطقة، وإحراق للمنازل.
ووجدت الجثث متفحمة في سوق دارفور لعشرات المدنيين الذين ذهبوا إلى السوق لشراء احتياجاتهم الغذائية في الصباح، في وقت كانت الطائرات الحربية التابعة لسلاح الجو بالجيش السوداني تقذف فوق رؤوسهم القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة.
وقالت أحزاب ومؤسسات مدنية إن أغلب القتلى في سوق دارفور كانوا بين النساء والأطفال، واعتبرت ما جرى على أنه "جريمة حرب" تحتاج إلى تحقيق دولي عاجل وشامل.
ويرفض قائد الجيش السوداني الذي قاد انقلاب عام 2021 عبدالفتاح البرهان كل الدعوات التي تدعو إلى وقف الحرب، بإجراء مفاوضات مباشرة مع قوات الدعم السريع للتوصل إلى اتفاق يحد من معاناة المدنيين، ويتمسك باستمرار الحرب، التي تتواصل معها أفظع الانتهاكات بحق المدنيين.