الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في نهاية الأسبوع الثالث من الشهر الجاري، يجتمع المجلس المركزي للمنظمة لانتخاب نائب لرئيس المنظمة وللسلطة الوطنية تنفيذا لإعلان الرئيس استحداث هذا المنصب امام اجتماع القمة العربية الطارئة الذي انعقد في القاهرة الشهر الماضي .
سوف يمر الامر بشكل يسير، ودون جلبة لان استحداث مثل هذا المنصب او غيره له وجهان:
- اذا كان رؤية داخلية فهذا يبدو جيدا وفي اطار توزيع المهمات الوظيفية للقيادة
- واذا كان ابتزازا خارجيا تحت الضغط والتهديد فهو لن يثمر ولن يستطيع فعل أي تغيير بالإكراه نحو أي اتجاه لا تريده المنظمة .
ان استمرار عمل المنظمة ودون تعطيل طوال 60 عاما نابع من عوامل كبيرة دوليا وعربيا ووطنيا. صحيح انها لا تمثل في غالبية قراراتها تلك الرغبات الجامحة عند بعض الجماعات داخل فتح او خارجها ، وعند بعض القادة. لكنها ظلت تحافظ على كونها مرفأ للسفن التي تلقفتها الأمواج في أعالي البحار (في العواصف كل الموانئ صالحة للملاحة).
استقلالية القرار الفلسطيني :
وقد انهك النقاد اقلامهم وهم يكتبون عن ضرورة حسم المنظمة نفسها بشكل واضح لصالح عاصمة عربية (بغداد أيام صدام – دمشق أيام الأسد طهران أيام الخميني – القاهرة أيام عبد الناصر – عدن أيام عبد الفتاح إسماعيل ...) ولكن عرفات كان له نهجا واضحا يسمح بهوامش التحالف والاقتراب ولكنه يرفض بالمطلق ان تطير المنظمة وتبيض في قفص أي عاصمة عربية او عجمية.
البرنامج السياسي المعتدل
برنامج المنظمة معتدل سياسيا ويقبل الاخر وحتى اليهود انضموا الى برنامج المنظمة، والوحدة الوطنية في برنامج المنظمة في دوائرها الـ14 ينص حرفيا على ان الوحدة الوطنية هي وحدة المجتمع وطوائفه وعائلاته ومشاربه الفكرية وليست وحدة الأحزاب والنظريات، فيجد المسيحي والدرزي واليهودي قبل المسلم الى جانب الكردي والفلاح وابن المخيم والمهاجر الى استراليا والاسير في سجن نفحة انه شريك كامل في هذا الدستور وفي اعلان الاستقلال الذي كتبه محمود درويش. وبعد مرور كل هذه الحقب التاريخية اثبت برنامج المنظمة السياسي انه الأكثر اعتدالا والأكثر صلاحا لتقوم عليه دولة فلسطين ديموقراطية وحضارية تحافظ على حقوق الانسان وعلى تراثه ومذهبه وحرية انتماءه.
الشريك الاستراتيجي للمنظمة
نجحت منظمة التحرير في اختيار الشريك الاستراتيجي للمنظمة ورفضت ان تجنح الى أول شاطئ عابر. رفضت ان تضع كل شراكتها مع الاتحاد السوفييت الذي انهار او مع أمريكا التي حسمت امرها لصالح إسرائيل او مع أوروبا الشرقية او أي محور من المحاور. وأعلنت ان شريكها الاستراتيجي هو المجتمعات والشعوب البرلمانات العربية. وخطّ عرفات هذا النهج قبل ان يغادرنا الى دار الحق، واكمل الرئيس عباس هذا النهج وان المنظمة تلتزم بالقرار العربي التوافقي وان اية خلافات يجب ان تحل تحت العباءة العربية وان فلسطين تعتبر أي عدوان على اية عاصمة عربية هو عدوان على القدس.
ان سبب بقاء واستمرار منظمة التحرير الفلسطينية رغم كل هذه الحروب ورغم كل هذه المحن يعود للأسباب الثلاثة سابقة الذكر. وان كل من انتقد التصاق المنظمة بهذه الثوابت الثلاثة عاد واعترف بصحة هذه النهج السياسي المعتدل والقادر على توفير ادنى حدود البقاء السياسي للشعب الفلسطيني على ارضه.
لا شك ان المنظمة تعاني من الافقار ومن الترهل ومن تراجع قوة تأثير الشباب في قراراتها، وهي سفينة قديمة وقد تبدو متهالكة أحيانا ، لكنها سفينة تبحر في الاتجاه الصحيح بينما اثبتت الأيام ان السفن الأسرع والأكثر مالا وقوة عسكرية وقوة جذب كانت تسير بشكل اسرع واقوى ولكنها تبحر في الاتجاه الخاطئ.
سواء قرر المجلس المركزي انتخاب نائب رئيس او رئيس موازي او عشرة رؤساء. هذا لا يقلق أبناء منظمة التحرير لانهم عاشوا كل الحقب التاريخية ويعرفون جيدا ان السفينة التي خرجت من بيروت تحمل عرفات والفدائيين عام 1982 قد وصلت الى القدس .