الكاتب:
د. سهيل الأحمد
فالقربات في خفائها وحقيقتها من تذكرك وتعودك على ذلك، بل هي ظاهرة في مؤداها ومبتغاها، فلا تمنع الخير واجعله من لوازم فعلك.. واعلم أن ذلك من المحاسن التي يجب ألا تخفى عليك، وتذكر ألا تنساها في عملك بل اجعلها منهجًا وسلوكًا لا يمكن الاستهانة في آثاره، بل وكن في طريق الخير واللطف والحسن والجود سالكا، فمن يفعل الخير لا يعدم جوازيه، كمن يقرض الله قرضًا حسنًا ويجود بما عنده من الخير فهذا مكافأته بمضاعفة فعله الحسن أضعافًا كثيرة، وهذا من التوفيق والتيسير والرزق الذي يحرص على تحصيله والسعي له في كل حال، ولتدم بأمانة وتواضع البشاشة والسعادة الصادقة وذلك في كل حال وخاصة حال اللقاء بغيرك حال بغضك ومكرهك، ثم لازم اليمن والسلامة والنجاة عنده؛ تنل مرادك ومبتغاك بيسر عاجل غير آجل، وارأف بنفسك فلا تكلفها ما يشق عليها، وراع ضعفها واجبر كسرها وذكرها بالاطمئنان والعيش الرغيد بالقناعة والرضا والنفس المطمئنة الراضية المرضية، ويسر ولا تعسر واجعله سوكًا دائمًا يغلب على تصرفاتك، وساير الناس وعاملهم بالمداراة والتغافل والعفو والصفح والتسامح، في اللحظات والمسرات والهفوات في الليالي والشدائد والمصاعب الحالكة، القليلة أو التي لا تبقي ولا تذر، وتذكر ألا تطلب المحبة من مهمل أو غير مبال أو جاهل أحمقٍ، لا يعرف قدر الناس بل ويتغافل ذلك بقصد ومسؤولية تؤذي، واعلم أن المرء ليس يحب حتى يفهم معنى ذلك وإن تأخر ذلك عنده، وارفق كذلك بمن اتصف بالغباء وضعف الفهم تنظيرًا وتطبيقًا، وعدهم كأنهم مرضى الذين يشغلهم حال غيرهم أكثر من حالهم وهذا لجهل فيهم، وهم لا يعلمون أن حظهم من العقل قليل، وهؤلاء يصدق فيهم أن الجهل عندهم شيء كالعمى، لذلك اجعل حالك معهم بأن يكون بالتحلي بالعلم والفهم، الذي يجعلك كالنور الساطع والسليم ضياؤه، فيقبل علي غيره ليضيء لهم ويرشدهم دون مقابل، فينير لهم طريق الهداية والنفع والصلاح ويوصلهم لمنافعهم والفلاح، بل وهو يعلو بمن كان الإيمان والإحسان دربه ومنهجه، ويحقق في نفسه مبدأ نقيًا صادقًا ناصحًا مفاده أن الذكرى تنفع المؤمنين، وأنها تيسر لهم عوامل البناء الاجتماعي والعقلي والنفسي الذي لا يخسر من يتخذه في شخصه وسلوكه وتصرفاته، ولذلك فمن قبيل التواصي بالخير والحق والصبر أن ينظر المرء إلى حال القلوب ورقتها وطبيعة قناعتها أن تتجه صوب الصادقين والميسرين الراغبين ببلوغ سبل الوضوح في السلوك والمنهج ولا تقبل أن تجعل نفسها في الشبهات كالراعي يرعى حول الحمى فيوشك أن يقع فيه، وهو أمر لا يقبله العقلاء والصادقون، فكُن بَلسَماً إِن صارَ دَهرُكَ أَرقَما، وَحَلاوَةً إِن صارَ غَيرُكَ عَلقَما، أيقظ شُعورك بالمحبّة إنْ غفا، لولا الشعور الناس كانوا كالدُّمى، مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً، أو من يثيبُ البلبل المترنما، أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيراً، وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما، لا تطلبن محبة من جاهلٍ، المرء ليس يحب حتى يفهما، وارفق بأبناء الغباء كأنهم، مرضى فإن الجهل شيء كالعمى.