الكاتب:
مجد شاهين
في تاريخ العالم العربي المعاصر، برزت ثلاث شخصيات سياسية وعسكرية تختلف في خلفياتها الأيديولوجية والانتماءات التنظيمية لكنها اجتمعت في الولاء للمقاومة والدفاع عن فلسطين، والوقوف ضد الهيمنة الغربية و شكلت مسارات حاسمة في مجرى قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. على الرغم من اختلاف الخلفيات الأيديولوجية والانتماءات العقائدية، فإن صدام حسين الرئيس العراقي الراحل ، جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحسن نصرالله الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني تعددت أوجه التشابه والاختلاف بينهم ولكنهم التقوا عند مفترق واحد: العداء للمشروع الصهيوني ودعم المقاومة، ورفض التبعية للغرب والإيمان الراسخ بالقضية الفلسطينية ومقاومة الاحتلال الصهيوني، كلٌ بطريقته.
لكن كيف يمكن قراءة هذه الشخصيات في سياق تاريخي ومنطقي وعقائدي وسياسي يسلط الضوء على نقاط التشابه والاختلاف؟
اختلف الثلاثة عقائديا و فكريا جورج حبش المسيحي الأرثوذكسي حمل راية الماركسية القومية مؤمنًا أن تحرير فلسطين لن يتم إلا من خلال ثورة اجتماعية شاملة و الكفاح المسلح ضد الاحتلال الصهيوني وبأن الدين لا يُشكل حاجزًا في معركة التحرر وكان أول من برز على الساحة مع نكبة عام 1948 والتي شكلت وعيه الوطني بداية بالعروة الوثقى ومرورا بحركة القوميين العرب وصولا لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد نكسة 1967.
صدام حسين كان بعثيًا علمانيًا قوميًّا، يرى في العروبة هوية جامعة ويُؤمن بأن قوة الأمة العربية تكمن في وحدتها واستقلالها عن الهيمنة الخارجية، برز سياسيًا في حزب البعث العراقي في الستينات، وتسلّم رئاسة العراق عام 1979 دخل التاريخ كقائد عربي رفع شعار "فلسطين قضية العرب الأولى" وواجه قوى الاحتلال الأميركي والإسرائيلي و دعم المقاومة الفلسطينية ماديًا ومعنويًا، وأطلق صواريخ سكود على "إسرائيل" عام 1991 كرسالة واضحة بأن العراق لن يتخلى عن فلسطين.
اما حسن نصرالله فيستند إلى الفكر الشيعي الثوري ضمن إطار ولاية الفقيه، ويجمع بين العقيدة الدينية والمشروع السياسي، مستندًا إلى تحالفه مع إيران فقد صعد نجمه في التسعينات كأمين عام لحزب الله وقاد مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان تُوجت بانتصار عام 2000، ثم بمواجهة عسكرية كبرى في حرب 2006 وصولا لجبهة الاسناد مع المقاومة الفلسطينية عام 2023 حتى استشهد اثر غارة إسرائيلية باطنان من القنابل في الضاحية الجنوبية في بيروت، نصرالله أعلن مرارًا أن "القدس أقرب" وأن تحريرها جزء لا يتجزأ من مشروعه السياسي والعقائدي، ويعتبر دعم المقاومة الفلسطينية جزءًا من واجبه الديني والوطني.
الثلاثة تبنّوا نهج المقاومة كخيار استراتيجي لا تكتيكي سواء بالسلاح (حبش ونصرالله) أو بالمواقف السياسية والإعلامية والعسكرية (صدام حسين). جورج حبش رفض أن تصبح منظمة التحرير أداة بيد أنظمة عربية، وحافظ على استقلالية قراره الوطني، كما فعل صدام في رفضه التبعية لأي محور خارجي، الثلاثة رأوا أن الهيمنة الغربية سبب رئيسي في تراجع الأمة، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل وجهان لعملة واحدة ،صدام حسين واجه أمريكا عسكريًا، واعتبر احتلال العراق بداية لمشروع استعماري جديد اما نصرالله فواجه أمريكا عبر التصدي لمشروعها في لبنان وسوريا ،حبش منذ الستينات كان يردد: "امريكا رأس الحية و عدونا هو التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي".
رغم الاختلاف في العقيدة، يتفق الثلاثة على مبدأ أساسي: المقاومة حقٌ مشروع، وفلسطين هي جوهر الصراع.
صدام حسين فقد خاض حربًا ضد إيران لمدة 8 سنوات، معتبرًا نفسه حامي البوابة الشرقية للأمة العربية، ورافضًا للنفوذ الإيراني في العالم العربي صدام كان في مواجهة مباشرة مع إيران، واعتبرها خصمًا إقليميًا يهدد العروبة ولم يكتف بالشعارات، بل أطلق صواريخ سكود كما اسلفنا على "إسرائيل" عام 1991، في سابقة تاريخية لقائد عربي
اما حبش رفض أوسلو وكل مشاريع التسوية، وقال: "التحرير لا يُنتزع من طاولة المفاوضات، بل من فوهة البندقية" و رفض الانخراط في صراعات المحاور حتى لوكان سيكلفه ذلك عزلة سياسية محافظًا على استقلالية الجبهة الشعبية رغم الضغوط وكان حذرًا من الهيمنة الإيرانية والخليجية على القرار الفلسطيني في حين أعلن نصر الله بوضوح أن "تحرير القدس هدف عقائدي"، وربط مصير المقاومة في لبنان بفلسطين، مقدمًا دعمًا مباشرًا للفصائل الفلسطينية والذي يعد جزءًا من محور المقاومة بقيادة إيران، ويعلن دعمه العلني للنظام السوري السابق والفصائل المسلحة المتحالفة مع طهران، نصرالله أقرب حلفاء إيران في المنطقة، وهو ما يضعه في موقع مختلف عن حبش وصدام في خريطة التحالفات.
سياسيًا، كلٌ منهم تعامل مع الواقع من منطلق مختلف فصدام راهن على دور الدولة المركزية القوية كقاطرة للتحررمع حضور إعلامي وخطابي قوي اما حبش راهن على الشعوب العربية لا على الأنظمة واعتمد الكفاح المسلح والشعارات الثورية في حين تبنّى نصرالله نهج العمل المقاوم المنظم والممول إقليميًا مع مهارة عالية في إدارة الإعلام والحرب النفسية.
رغم الفوارق في الأيديولوجيا و تباين الخلفيات والانتماءات، فإن جورج حبش، صدام حسين و حسن نصرالله يمثلون رموزًا لمراحل مختلفة من مشروع التحرر العربي و ثلاثة تيارات مختلفة اجتمعت على قضية واحدة: تحرير فلسطين ومقاومة العدو الصهيوني، تقاطعت طرقهم في لحظات مفصلية، وتركوا أثرًا لا يُمحى في ذاكرة الأمة، كلٌ بطريقته ورؤيته كلٌّ منهم خاض معركته من موقعه الخاص، وترك أثرًا في وجدان الشعوب العربية التي لا تزال ترى فيهم رموزًا لمرحلة من الثبات على المبادئ والرفض للخضوع وتبقى فلسطين والقدس النقطة المشتركة التي جمعتهم، وتجعل من سيرتهم مادة حيوية لفهم الواقع العربي الحديث ومعاركه المستمرة.