نشر بتاريخ: 19/04/2011 ( آخر تحديث: 19/04/2011 الساعة: 13:54 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - في عصر زيت الكاز والغاز والفيس بوك والصحون الطائرة فوق اسطح منازلنا ، والصحون الفارغة من الطعام امام اطفالنا ، في عصر صرنا نضع فيه البيض والشمام والكمثرى والموز والكافيار في علب الشامبو ، لكننا لا نجد هذه الفواكه في الاسواق او في مطابخنا ، في عصر انحسار التين والزيتون وتقدّم الكيوي والكاكا ، نرى أن الزعماء العرب ينقسمون الى قسمين ، قسم يواجه التظاهرات وانتفاضة الشعب ضده ، وقسم يتحدث عن انتفاضات الشعوب الاخرى ضد زملائه ، باعتبار انه زعيم مختلف تماما عنهم ولا مجال لمقارنته مع زملائه الاخرين من القادة !!!
بل ان ، من يشاهد الفضائيات العربية كل ليلة ، يكاد يصاب بجلطة في الدماغ ، ومجرد انك تحمل الريموت كونترول وتبدأ بتصفح القنوات العربية ، ترى العجب العجاب ، ترى مثلا ان مذيع قناة ليبيا فقد السيطرة على نفسه وراح يقول عن امير قطر ( حمد موزة يرسل السلاح في صناديق الهلال الاحمر القطري ) في اشارة الى اسم عقيلته ، وترى قناة صينية باللغة العربية تقول تقول ( المشاكل المتواصلة في الوطن العربي) وترى قناة العربية تقول ( ارحل يا طاغية ارحل ) ، وقناة سبأ اليمنية تشتم الاخوان المسلمين وتتهمهم انهم سبب كل علة في العالم العربي وسبب كل خراب في اية دولة اسلامية ، وترى قناة سوريا تتحدث عن عملاء الامريكان الذين يقتلون ضباط الجيش وترى قناة الجزيرة تقول ( الشبيحة في دمشق وضرورة حماية مصراتة وفورا وتستضيف جميع المسؤولين الامريكيين ليقولوا لنا بلسان مكسور " مثراتة" تارة أو "موسراتا " تارة اخرى ) ، وترى قناة روسيا بالعربية وقناة فرنسا بالعربية وقناة اسرائيل بالعربية وقناة امريكا بالعربية .....وترى تلفزيون فلسطين يبث مسرحيات ورقصات شعبية منذ 25 يناير ولغاية اليوم دون كلل او ملل ، وعلى ما يبدو ان الاوامر قد صدرت واضحة للقائمين عليه بعدم حشر انفهم او مجرد التفكير بتغطية اي خبر عن حرب القنوات الضارية ، لكن والشهادة لله ان قناة ابو الشمقمق تظلّ اقوى هذه القنوات لانها محترفة في الهجاء بارعة في التحقير ، عميقة في قدّ اللحم العربي .
وابو الشمقمق هو مروان بن محمد أبو الشمقمق ( 730- 815ميلادي ) وهو شاعر هجاء بخاري الأصل من موالي بني أمية. عاصر شعراء عدة وهجاهم كبشار بن برد وأبي العتاهية، وأبي نواس، وابن أبي حفصة. لقب أبو الشمقمق لطوله. كان عظيم الأنف قبيح المنظر.
وعظيم الانف قبيح المنظر هذا كان يهجي الشعراء الاخرين حتى يمنحونه المال الذي يريد ، حتى قيل ان بشار بن برد كان يرسل له 200 درهم كل عام ليضمن سكوته عنه . لكن ابو شمقمق في عصرنا الحداثي هو حامي ايوان ويكليكس ،و لا يأخذ اموالا من الاخرين وانما يعطي الاموال ، فابو الشمقمق ، ملّ حياة العرب ، وزهق من التين والزيتون وغيرها من الثمار الصلبة ، وعلى ذمة خصومه الذين يغارون من " شطارته " انه يحب الكاكا ، يحب الكاكا كثيرا ولا ينافسه في حبها الا الكيوي ، وهاتان من الفواكه الاستوائية اللذيذة التي تعتبر سهلة المضغ سريعة البلع وتمنح قدرة اقوى على الاستغاطة بسهولة !! حتى نقلوا على لسانه انه جلس ذات يوم يحترّ الكاكا ، ورفع يديه الى السماء وقال : اللهم أمتنا ميتة كميتة عجرفة .
، فقال الخدم والحشم في ديوانه " وكيف مات عجرفة يا مولاي العبقري ؟" فأجاب بكل تواضع واّثار السجود على جبهته : اكل حملا صغيرا وشرب زقّا من اللبن ونام في الشمس فمات على الفور ، مات شبعان ريّان ودفئان !!!! فخبأ الجميع جوازات سفرهم الاجنبية ورفعوا ايديهم من ورائه وقالوا على قلب رجل واحد : اّاّاّمين
وابو الشمقمق ، ليس مثقفا ، وانما يتعمشق على اكتاف المثقفين ، فيطرد ارواح الجهل عن كتفيه العريضين بعقولهم النيّرة ، ويدخل سوق التنافس كثور هائج ويحقق انتصارات عظيمة في كل مرة وقد اعجب به العلوج كثيرا لكنهم حاروا في امره اكثر ، ومهما قبّحوا عليه فانهم لن يصلوا الى مستوى قباحة منظره وفي النهاية ان المبتل لا يخاف من رشق المطر ، وابو الشمقمق مبتل مبلول الى درجة العصر .
ويحزنني كثيرا هذا الاتجاه المعاكس الذي اصاب قنوات العرب ، وما تفعله القنوات العربية ببعضها البعض كل ليلة ، حتى ان الفضول يدفعنا لنتصفح معظمها كل ليلة ونتابع مسلسل الشتائم ضد بعضهم البعض ، في صورة محرجة وتخلوا من اي مضمون ثقافي . حيث ان هناك نحو 677 قناة فضائية عربية تخسر 12 مليار سنويا ما يكفي ميزانية السلطة الفلسطينية لمدة 6 سنوات على الاقل ، و57 مليون مدوّنة عربية على شبكة الانترنت ، لكن وبحسب مقاييس ثقافية دولية فان مستوى هذه القنوات الثقافي لم يصل بعد الى 1% من مستوى الثقافة الانساني العالمي ، فهي قنوات هجاء ورثاء وثغاء وبكاء وعطس وفطس ورقص ورخص ، قنوات شمقمقمية تنكأ جراح الامّة وتفقأ عين الجيل القادم ، ولا تحمل القنوات العربية الان في معظمها سوى الغلّ ضد الاخر ، الى جانب سمات مثل :
• خطاب تحريضي متبادل إلى حد فخري .
• النَّدية في الانتهاكات فكلما نكَّل طرف بصحافي سارع الطرف الآخر للتنكيل بصحافي محسوب عليه من باب الانتقام .
• استخدام بغيض للدعاية المضادة - حتى أنها لم تستخدم ضد الإحلال من قبل .
• تضخيم كل طرف لأخطاء الطرف الآخر .
• الانتقائية في بث الأخبار لصالح خدمة طرف ضد طرف .
• الاعتماد أكثر على مصادر مجهولة .
• التلاعب بالألفاظ والمعاني والصور والمفاهيم .
• إهمال القضايا الوطنية والهمَّ العام .
• غياب الإدارة المهنية في إدارة الأزمة .
وهي نفس الامراض التي أصابت الاعلام الفلسطيني فترة الانقسام والاقتتال بين حماس وفتح في العام 2006 ، ونحن نشكر الله سبحانه وتعالي لانه شافى فلسطين من هذه الامراض ، ونتمنى للعرب الشفاء ، ونقول لابي الشمقمق : شوفيتم .