نشر بتاريخ: 04/06/2011 ( آخر تحديث: 06/06/2011 الساعة: 13:40 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - ليس من بين اصدقائي اساتذة جغرافيا، ولا أعرف الا اساتذتي الذين علموني هذه المادة في المدرسة وأسير من بلدة صوريف كان معي في الزنازين ، وزميل اخر يعمل في وكالة معا ، لكنه يعمل في دائرة الرياضة وليس في تخصص الجغرافيا . ورغم ان كل حياتنا جغرافيا الا اننا لا نهتم ولا نولي هذا التخصص اي اهتمام . بل ان هذا التخصص لا يتم تدريسه في جامعاتنا الفلسطينية اضافة الى ان المادة تقتصر عندنا على تعليق خرائط على جدران الصفوف في الحصص الاخيرة من وقت الدراسة حين يكون معظم الطلبة في حالة اعياء وجوع ونعاس . كما انه تخصّص مسالم وجاف مثل المعلبات على رفوف الحوانيت .فهذا التخصص ليس مثار خلاف ولا يتدخل في العشائر ولا في الامن ولا في وزارة الداخلية ولا في الراتب وهو ما ينعكس على شخصية الاستاذ نفسه ، فترى الطبيب والمهندس وضابط الامن ومعلم الانجليزي والكوافير وبائع الاحذية والممرض ، جميعهم يفاخرون بمهنتهم . اما معلم الجغرافيا فلا يأتي على ذكر الامر الا اذا سألته مباشرة عن هذا التخصص. من ناحيته لن يبادر في التطرق للامر .
وفي قصة حقيقية ان رجالا من قرية في اليمن تشاجروا مع اخرين ، وتدحرج الشجار الى مقتل استاذ جغرافيا من القبيلة . وعلى الفور اجتمعت قبيلة القتيل وقررت قتل استاذ الجغرافية من القبيلة الاخرى ، وشاءت الاقدار ان استاذ الجغرافية في تلك القرية كان مشهودا له بالاحترام والنزاهة والامانة وطيبة القلب ، فتدخّل وجهاء الخير يقترحون على القبيلة ان لا تقتل استاذ الجغرافيا وربما ان يستبدلوه فيقتلوا استاذ العلوم او استاذ الرياضيات او الكيمياء او حتى التربية الاسلامية .. لكن القبيلة ازدادت اصرارا على قتل استاذ الجغرافيا !!!
ان ما يحدث في اليمن ليس ثورة فيس بوك بل نزاع قبلي بين اولاد الاحمر واولاد علي عبد الله صالح ، واولاد الفيس بوك مجرد حطب في أتّون المواجهة القبلية الفظيعة. وما ان تشاهد اخبار ليبيا واليمن وسوريا حتى ترى الفرق الكبير بين ثورتي تونس ومصر الحضاريتين وبين شلال الدم في الدول التابعة . وسرعان ما يطب لك القول " ولّع الفيس بوك " .
وأنّي لاعجب ان سفيري اليمن والسودان ، كانا في كل عاصمة عربية يقفان ويقولان لنا : أوليس عيبا عليكم ايها الفلسطينيون ان تتقاتلوا (فتح وحماس) ، ألآ يوجد فيكم عاقل يوقف الانقسام ويعيد الوحدة للشعب . ويا سبحان الله ولا حول ولا قوة الا بالله ، فقد انقسمت السودان وتنقسم اليمن بأسرع مما اعتقدنا ... وهو مشهد يدمي القلوب ويجرح الافئدة .
وعود على اليمن ، اهل الفطن ، صنعاء وعدن ، فان تدخل وساطة عربية - ولماذا لا تكون فلسطينية - امر عاجل وملح ، فالقبائل هناك مسلحة ، ويبلغ عدد قطع السلاح في اليمن نحو 35 مليون قطعة سلاح معظمها متوسطة وثقيلة ورشاشة بين ايدي السكان والقبائل ، ولا يبلغ عدد السكان سوى 18 مليون ما يعني ان كل مواطن في اليمن يحمل قطعتي سلاح على الاقل . اي ان اي تقاتل بين اهل اليمن سيكون اشبه بانفجار سفينة محمّلة بالبارود. والامر لم يعد ثورة فيس بوك ولا تويتر بل مصير شعب كامل وعلينا ان نكف عن مشاهدة الفضائيات المستثمرة في هذا الدم وأن نتدخل للاصلاح فورا .
العالم العربي لا يحتاج فيس بوك ولا تويتر بل يحتاج الى بنية تحتية ثقافية واجتماعية وقانونية تعيد تنظيم علاقة الفرد بالجماعة والفرد بالفرد ، وغالبا لا يوجد فرد في المجتمع العربي بل يوجد عضو ، فانت بن فلان او من قبيلة فلان او عضو في تنظيم او جماعة .
ومن غرائب العرب انه وفي بلاد رسول الله ، في المملكة العربية السعودية ، ان حريقا شبّ في مدرسة للبنات لكن هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر منعوا رجال الاطفاء من دخول مدرسة البنات وانقاذهن ، حيث ان اختلاط الرجال بالنساء حرام ( حتى لو انهن من اعمار بناتهن ) ، وكانت النتيجة مقتل عشر بنات ما اثار الرأي العام وسط المثقفين السعوديين وشكوا الى جلالة الملك .
وعن قبائل في السودان ان مهر الفتاة الطويلة 4 بقرات اما مهر الفتاة القصيرة فلا يزيد عن بقرتين ، وحتى لو كانت الفتاة الطويلة بلهاء والقصيرة عالمة اقتصاد او ممرضة فهذا لن يسعفها .
وعن شيوخ عشائر قطر انهم ذهبوا الى قصر الشيخ حمد " الديوان الاميري " واحتجوا على استضافة قطر للمونديال عام 2022 لان بنات اوروبا سوف يأتين الى الدوحة وهن يرتدين الملابس القصيرة ويشربن الكحول فتشاهد بنات قطر هذا المنظر وتسوء اخلاق الناس !!!
وعن سوريا ان سجينا سياسيا امضى 13 سنة في زنزين المخبابرات بتهمة الانتماء الى حزب الاخوان المسلمين المحظور ، ولكن وبعد 13 سنة اتضح ان المتهم مسيحي !!!!
وكلما خطر ببالي الفيس بوك ، يتماثل امامي استاذ الجغرافيا وطالبات سعوديات متن حرقا ومسيحي متهم بالتطرف الاسلامي وفتاة سودانية قصيرة مهرها بقرتان وهم يشاهدون مباراة المونديال في قطر عام 2022 على قناة الجزيرة !!!
الفيس بوك ليس الحل ، والاسلام السياسي ليس الحل ولا الشيوعية ولا المفاوضات ولا العمليات ، ان الحل هو ان نكون شركاء في الحضارة الانسانية وان تعتمد الدول العربية قوانين حرية الفرد ( وليس العضو فقط ) .. وان نصرخ جميعا : لا تقتلوا استاذ الجغرافيا . لا تقتلوا استاذ الجغرافيا .