نشر بتاريخ: 16/06/2011 ( آخر تحديث: 19/06/2011 الساعة: 14:09 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - ابتلعتنا فيينا كما يبتلع التمساح كغم من الماردتايلا ، ، او كما يبتلع الجمل حبة فراولة . التهمتنا على وجبة الافطار ، وقد خدعنا هدوءها ، ونتذكر لماذا صار اسمها النمسا ، لان الاتراك وتحت اسم الدولة العثمانية الاسلامية جاؤوها فجرا وكان اهلها نيام ، فقال الضابط التركي لجنوده هس اسكتو العدو نوم سا ومعناها النوم المبكر ، فدخلوا عليها وباغتوا اهلها وهم يهمسون العدو نومسا العدو نومسا ، اي ان العدو نائم .واعجب العرب بالاسم فصاروا يطلقون عليها نمسا . لكن النمسا افاقت وصار العرب نوم سا حتى يومنا هذا فالدهر تغيّر ، والايام انقلبت ، وما عاد الالمان القاطنون في اوستيريا ( النمسا ) نائمون ، بل هم اليقظون المبدعون الغربيون ، والامة الاسلامية هي نمسا ، وانتم نمسا ، ونحن نمسا ، العرب نمسا ، المسلمون نمسا .
ويقال ان بسمارك من هنا من النمسا وموزارت من النمسا وادولف هتلر من النمسا ، فهل هؤلاء نمسا ، ونحن اللانمسا ؟؟؟ هي نفس المانيا والشعب هنا يتحدث الالمانية والثقافة المانية ولم اجد الا اسبابا سياسية لكونها نمسا ، مع احترامي للضابط التركي الذي هطل عليهم من ناحية الجبل الى نهر الدانوب وهم نمسا .
في المطار استقبلنا سفير فلسطين في النمسا زهير الوزير وهو شقيق القائد الشهيد خليل الوزير "ابو جهاد " ، وكان السفير يعمل بجهد من اجل تثبيت الخطاب السياسي والحضور الفلسطيني هنا بكل جوارحه ، وتزامن وصولنا فيينا مع وجود فرقة اصايل الفلسطينية الفلكلورية لتقديم عروض التراث ، وشعرنا بأننا نريد ان نقدم شيئا لفلسطين . ولو عن طريق اقدامنا وهي تخبط المسارح وتقول كلمة فلسطين . او موال يصدح باسم اوديتها وجبالها وفيافيها .
انتهرنا الفرصة للذهاب الى دولة سلوفاكيا وقلت لمنذر ابو زيد رئيس الجالية الفلسطينية في النمسا وهو فلسطيني من جنين ، قلت له انني نسيت ان احمل جواز السفر معي ، لم يكترث لملاحظتي وواصل السفر ، وبعد 40 دقيقة كنا في براتسلافا في دولة سلوفاكيا ، على الحدود لم يوقفنا احد ، واستضافنا هناك السفير عبد الرحمن بسيسو على وجبة غداء على نهر الدانوب ، كانت المناظر ساحرة وخلابة ، ولم أمنع نفسي من القول : أوليس اليهود أغبى شعب في العالم لانهم تركوا نهر الدانوب وجاءوا يحاربوننا على نبع العروب ؟
لم احصل على اجابة مقنعة ، وكانت ابتسامة القنصل احمد السيد - فلسطيني من لبنان - تعلو وجنتيه ، وفجأة انتشر السؤال الهام الذي طرحته على شكل نكتة على الرسائل القصيرة ... لكنني ظللت ابحث عن الاجابة : ما الذي يدفع اليهود لترك نهر الدانوب الساحر وان يلاحقوننا على نبع العروب الذي عملت اسرائيل على سرقة مياهه لصالح المستوطنات ؟
الاجابة على ذمة صديقي ابو خليل هي : الله . انا اصدق ذلك واضيف ان الصهاينة ( وهم منظمة سياسية اوروبية اسسها هيرتسل ) اقنعت اليهود ان الله يحبهم لوحدهم وانهم اعزّ الناس الى قلبه وانه بعد التحية والسلام ، يطلب منهم التوجه الى فلسطين لاقامة الدولة اليهودية بانتظار المسيح المنتظر .
والذي يقهرني ويقهر كل عاقل ان ثيودور هيرتسل كان علمانيا ولم يكن متدينا ، بل انه لم يكن يعرف اللغة العبرية ابدا واضطر في مؤتمر بازل ان يتعلم بعض الكلمات من حاخام سويسري ليرددها في المؤتمر الذي اعلن فيه عن البدء بالعمل من اجل اقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .
بل ان حاخامات اليهود رفضوا فكرة اقامة دولة لليهود لانها كفر .
هيرتسل صحفي يهودي نمساوي مَجَرِيُّ، ورغم انه يعتبر مؤمسس الصهيونية السياسية المعاصرة. فقد ولد في بودابست وتلقى تعليما يطابق روح التنوير الألماني اليهودي السائد في تلك الفترة، تعليما يغلب عليه في صلبه الطابع الغربي المسيحي حتى سنة 1878. ثم حصل على الدكتوراه سنة 1884 ثم اشتغل بعدها فترة قصيرة في محاكم فيينا وسالتسبورغ ثم توجه إلى الأدب والتأليف. بداية من سنة 1885 نشر مجموعة من القصص الفلسفية. كما كتب عددا من المسرحيات التي لم تلق نجاحا كبيرا.ثم وقبل ان يموت اشعل حربا لا تنطفئ في الشرق الاوسط من جراء فكرة اسرائيل .
اشتغل هرتزل أيضا بالصحافة حيث عمل في باريس كمراسل لصحيفة وهناك كتب مؤلفه دولة اليهود 1895 والذي نشر سنة 1896 لكنه لم يجد صدا واسعا في البداية ، ويحّرني ان الصحافي النمساوي هيرتسل لم يهاجر الى فلسطين بل تزوّج من ابنة رجل اعمال ثري يهودي في فيينا. لكنه فشل في اقامة اسرة وفشل فشلا عظيما ومات اولاده الثلاثة بشكل مأسواوي .ابنته بولين: عانت من الأمراض العقلية وإدمان المخدرات. توفيت في عام 1930 وهي في سن 40. ابنه هانز: انتحر (بالرصاص) يوم جنازة شقيقته وكان في سن 39. ابنته مارغريت: (كانت مريضا عقليا) تزوج ريتشارد نيومان الذي خسر ثروته وكان مثقلا من تكاليف إدخال مارغريت المستشفى. قضت مارغريت سنوات طويلة في المستشفيات ثم أخذها النازيون وتوفيت وأحرقت جثتها.وقد اغتصبت.
ما أغرب التاريخ ، ضابط تركي دخل اوستيريا الالمانية واهلها نيام فصارت نمسا ، وخرج من النمسا هتلر الذي حكم العالم وارعب تركيا !! وهيرتسل العلماني فشل في اقامة اسرة فخطر بباله اقامة دولة متدينة اسمها اسرائيل !!! واسرائيل تطلق على مطار اللد اسم مطار بن غوريون رغم ان بن غوريون جاء الى اسرائيل بسفينة عن طريق البحر وليس بواسطة طائرة !!
نمساوي فاشل هزم العرب ، والعرب نمسا ... تقتلنا الحيرة وفجاة اذا بصاحب الدعوة يسألنا : هل تريدون زيارة منزل الموسيقى العظيم موزارت ؟ انه نمساوي من هنا من النمسا .
بصراحة تفاجأت ، وقلت لنفسي اذا كان الشعب النائم ولد من بين ظهرانيه هيرتسل وهتلر وموسوليني وموزارت ... لم أنم وظللت افكر طوال الليل . وفي النمسا لم اشعر بالنمسا .