نشر بتاريخ: 09/07/2011 ( آخر تحديث: 10/07/2011 الساعة: 08:52 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - لا اعتقد ان المال الامريكي الذي جاء لدعم قيام السلطة الفلسطينية كان سيئا ، ورغم ان غالبيتنا تميل الى الشعارات الثورية المجردة ، الا ان دول كبيرة وثقيلة في العالم لا تستطيع ان تحافظ على استقرارها الاقتصادي من دون موافقة الولايات المتحدة الامريكية . ولو ظل السؤال مفتوحا من دون اجابة افضل من التسرع باجابات منفعلة خاطئة . واحيانا يكون علينا عدم جلد الذات ومعاقبة انفسنا ، فلم يكن بالامكان افضل مما كان . والاخوة القادة الذين عارضوا عرفات سياسيا لم يطرحوا امام الشعب الفلسطيني خيارات اقتصادية اخرى باستثناء فتح مكاتب في دمشق واعتقد انه وبعد ما يحدث في سوريا الان لديهم مشكلة لا تختلف عن مشكلة السلطة من ناحية الرواتب والمصروفات .
وبعد ان صادق مجلس النواب الامريكي باغلبية ساحقة على مشروع قرار تجميد مساعداتها المقدمة للسلطة الفلسطينية اذا توجهت الاخيرة الى الامم المتحدة لنيل اعترافها بالدولة الفلسطينية. قال النائب الامريكي اريك كانتور زعيم الاغلبية الجمهورية في المجلس ان القرار يدل على وقوف الولايات المتحدة الى جانب حليفتها اسرائيل وانه حان الاوان لقبول السلطة الفلسطينية بحل سلمي للنزاع. واعتقد ان كانتور صادق وواضح فامريكا الى جانب صديقتها وربيبتها اسرائيل ومن يعتقد من العرب عكس ذلك فهذه مشكلته الشخصية .
ورغم ان هذا القرار لا يلزم الادارة الامريكية. الا ان فحواه يدفع السلطة الفلسطينية للاختيار بين قبول الاحتلال (على مبدأ السلام مقابل السلام وليس على مبدأ الارض مقابل السلام ) او حرمانها من المال السياسي .
ولكن هذا جانب واحد من الصورة فقط . وباعتقادي ان الادارة الامريكية بدأت فعلا بتحويل حصة الاسد من المال الذي تستخدمه الخارجية الامريكية في العالم الى ثوّار الفيس بوك في ليبيا واليمن وسوريا ومصر والسودان ، تماما مثلما فعلت قبل عشرين عاما حين نقلت اموال المساعدات الامريكية من اوروبا الغربية الى منظمة التحرير ايام مؤتمر مدريد بداية التسعينيات .
وبالتالي ، فان الدافع الاساسي للتحرك الامريكي هو ما يحدث في العالم العربي وليس بسبب مواقف القيادة الفلسطينية ، وان كان الامر يبدو كذلك من الناحية الشكلية ... فحتى لو واقفت القيادة الفلسطينية على عدم الذهاب الى الامم المتحدة فانها لن تحصل على حصة اكثر من الحد الادنى الذي يبقيها على قيد الحياة كما هو حاصل الان .
من جهة ثالثة تعاني الامارات وقطر حاليا من نزيف السيولة ، فقد اعتقدت قطر والامارات بصحة تحليلات بعض نجوم التلفزيون ورجال الدين وان نظام القذافي لن يصمد امام امريكا سوى ساعات او ايام او اسابيع ، لكنه الان يصمد منذ 20 اسبوعا وهو ما خلق ازمة سيولة في خزائن قطر والامارات ، وفي حال صمد القذافي عدة اشهر اخرى فان الدولتين العربيتين الخليجيتين ستعانيان ازمة مالية حقيقية ، مع اعتقادي ان السياسة الامريكية تقضي بعدم السماح للدول العربية الغنية مثل قطر والكويت والامارات والسعودية بامتلاك فائض من السيولة النقدية فترى امريكا تخلق ازمة في المنطقة كل عدة سنوات وتجبر الدول الغنية على التدخل من اجل صرف الفائض في السيولة المالية .
السلطة الفلسطينية تعاني من ازمة مالية سببها السياسة الامريكية والاسرائيلية من جهة ، وبسبب سوء الادارة التنموية المستدامة من جهة ثانية ، وعلينا منذ الان ان ننتهج سياسة تقشف حقيقية ، ولا أقصد ان نأكل زيت وزعتر فقط ، وانما ان نخلق مقوّمات الصمود الذاتي وعدم الاعتماد على المال السياسي الامريكي .
خارج النص ، وفي الاجتهاد الشخصي ، انا سعيد ان العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية التي سادت مؤخرا وسط المجتمع الفلسطيني بواسطة الدعم الخارجي تحت تسميات مختلفة سوف تجفّ وتذوي وتنتهي ، ولن يبقى على الساحة سوى المؤسسات التي تستطيع البقاء بحضورها الداخلي وقيمتها الحقيقية . وفق قانون الطبيعة ان البقاء للافضل ، اما المؤسسات التي كانت تستقوي على المواطن بالدولار الامريكي فتستحق ان ترتاح وتلفظ انفاسها بتؤدة ، ولا يبقى في الوادي الا الحجارة.