نشر بتاريخ: 23/09/2011 ( آخر تحديث: 23/09/2011 الساعة: 22:52 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
الامم المتحدة - كتب رئيس التحرير - على طاولة العشاء كان يجلس نبيل شعث ورياض منصور ومجدي الخالدي ، دبلوماسية فرنسية تقدمّت منا وقالت ممازحة : ماذا تفعلون ؟ هل هذا هو العشاء الاخير ؟ ولان الدكتور نبيل شعث يتمتع بالخبرة وروح الدعابة رد عليها بابتسامة عريضة " نعم هو العشاء الاخير في امريكا لكن لن تكون نفس النتيجة انشاء الله " ويقصد ان ايهوذا الاسخريوطي لن يخون السيد المسيح ويسعى الاعداء الى صلبه .
ادّعى الجميع انه ذاهب للنوم لان الجمعة سيكون يوم اللحظة التاريخية ، وتركنا الرئيس ليرتاح قليلا بعد ان انهى 20 اجتماعا متواصلا ، وكانت مسؤولة الخارجية في الاتحاد الاوروبي اشتون طلبت لقاءه ، فيما حسين حسين يحاول جاهدا ترتيب برنامج الرئيس المكتظ .
وفي منتصف الليل بتوقيت امريكا ، الثامنة صباحا بتوقيت القدس . كان جميع اعضاء الوفد يقظين ولم يتمكنوا من النوم ، خجلنا نسأل سعيد اللحام اذا كان الرئيس يقظا ام لا ؟ ولكننا وجدنا الاخ شحادة وهو مرافق الرئيس منذ 32 عاما وجلسنا نفكر في الجمعة وخطاب الرئيس والفيتو ، فاللحظة تاريخية والخطاب يجري تعديله كل ساعة .
في الصباح افاق الجميع باكرا ، وكان مقر الرئاسة اشبه بخلية نحل ، وقبل الخطاب اصر رئيس وزراء البرتغال على لقاء الرئيس ، وانشغل الامن ، وتوجهنا مبكرا الى الامم المتحدة ، اوقفنا الحراس ومنعونا من الدخول لان مسؤول كبير يمر من الشارع ، وبعدها عرفنا انه وزير خارجيتنا د. رياض المالكي ، وهنا يمشي وزير الخارجية مع 7 حراس ومرافقة امنية مشددة ، على البوابات حراسة مشددة ورجال امن لا يتساهلون ابدا ،تمثال لمسدس محطم ، وتمثال اخر لقنبلة يدوية مفتوحة ، في اشارة الى حرمة السلاح واعتماد السلام كلغة تخاطب بين الشعوب والجماعات . خضعنا للتفتيش الدقيق وولجنا ، لم نشعر بعد بالامر ، وبدا مثل اي يوم اعتيادي .
هي ذاتها الامم المتحدة ، بنايات صماء ، جدران خرساء ، مقاعد زرقاء ، ورجال ونساء باشكال مختلفة يمثلون جميع شعوب الارض يسيرون بسرعة هنا وهناك ، وفي داخل الامم المتحدة لن تشعر بالفرق بين الوزيرة وبين السكرتيرة ، بين الرئيس وبين المشتكي أو الموظف . صوت صراخ ، حراس الرئيس اردوغان تشاجروا مع رجال الامن بالداخل ، ووجدنا انفسنا في نفس المصعد مع الرئيس اردوغان ، لم يتغير ولن يتغير ، رجل عبوس وصارم ، صاحب مبدأ وكرامة وطنية تشعرك بالفخر .
احد القادة نسي "باج "الدخول ، ومهما حاول لن يسمح له رجال الامن بالدخول ، نصحناه ان يعود للفندق بسرعة ويحضر "باج" الدخول ، فقبل النصيحة ، فرجال الامن هنا من جميع الجنسيات ومن الصعب عليهم ان يفرقوا بين الرئيس عباس وبين رئيس مصر ، بين الاردن والسعودية او بين احمدي نجاد او أي معارض ايراني ، هم يتعاملون مع بطاقات تعريف وتصاريخ دخول .
على البوابة الشمالية تظاهرة فلسطينية تصرخ ضد الاحتلال الاسرائيلي ، حجزنا مقاعدنا على مقاعد المنظمة الاسلامية ، فقال لنا رجال من افريقيا ( السلامو عليكمو ) ورددنا السلام بالسلام فجلسوا وجلسنا متجهمين ننتظر دخول الرئيس عباس .
كلمة رئيس السودان ، ثم ارمينا ولا تزال نصف المقاعد غير مشغولة ، وقبل دقائق من خطاب الرئيس ، دبّت الحياة في القاعة التي كان فيها عرفات قبل 37 عاما ، لان القاعات امتلأت وحتى المقاعد الاضافية وفي جميع الطوابق ، ودخل الرئيس ، فوقفنا ووقف الجميع 3 دقائق بتصفيق متواصل ، نسينا اننا صحافيين وارتدينا الكوفيات الفلسطينية وصرنا نشيح بوجوهنا عن بعضنا البعض حتى نخفي دموعنا .
نظرنا الى وجه د.محمد اشتيه واذا به يبكي ، وصار اعضاء الوفد القيادي يحاولون اخفاء الدموع عن بعضهم حتى سألت اشتيه بصوت عال : هل انت تبكي ؟ فاعترف وقال نعم انا ابكي . فكدنا نختنق جميعا من اللحظة ، فخر وفجر وفلسطين التي طالما عشنا فيها من اجل هذه اللحظة . الى يسارنا كان هناك رجال ونساء من امريكا اللاتينية والكاريبي وافريقيا ، وجميعم صفقوا بحرارة وصافحونا بحنان .
الاخ محمد دعاجنة الحارس الشخصي للرئيس ، دخل التاريخ اليوم لانه اول من صافح الرئيس وقبله بعد الخطاب ، ولحق به حسين حسين ثم لم نتمكن من الوصول اليه من كثرة المصافحات من الزعماء والسفراء فصرخنا مبروك فلسطين يا سيادة الرئيس ، وابتسم مثل اب ينظر الى اولاده .
انها قصة كرامة شعب ، ليست قصة فصيل او عشيرة او مدينة ، انها قضية مقدسة وامانة في اعناق الجميع ، وبعد ذلك دخل جميع اعضاء الوفد الى غرفة الرئيس حتى لم يعد مقاعد ، وجلس البعض على اطراف النوافذ ، وفجاة هطلت امطار شديدة جدا على نيويورك ووصلتنا اخبار الوطن والساحات والمسيرات ، ولم تسكت الهواتف النقالة ، على الخط الاخر كان الصديق ناصر مرزوق وهو اسير وشقيق لشهيد قال لي : ابلغ الرئيس اننا الان نشعر بالكرامة والفخر ونشعر ان دماء الشهداء لن تذهب هدرا . ولا أخفي ان الجميع هنا امتعض حين قرأ تعقيب حماس على الخطاب ومواصلة الانتقادات في هذه اللحظة ، فقد كان الوفد يعتقد ان حماس ستنتقد خطاب نتانياهو وليس خطاب الرئيس . من جانبه الدكتور ناصر الشاعر طلب مني ان انقل تحياته للرئيس وان اقول له " انت لست وحدك وكلنا معك " فتحسن المزاج قليلا .
وفجأة تذكرنا وسألنا : وماذا بعد سيدي الرئيس ؟سأقول انني لم نحصل على اجابة ، لكنني "اعتقد" انه بعد سبتمبر :
اولا : مؤتمر دولي لرعاية دولية بدل الامريكية ومواصلة عزل اسرائيل في العالم ومقاطعتها مثل عنزة جرباء .
ثانيا : مقاومة شعبية سلمية لا تتوقف ، والتأكيد هنا على سلمية لان اية عمليات سيستغلها الاحتلال ضدنا .
ثالثا : انجاز الوحدة الوطنية في الاسابيع القادمة والكف عن اللهو السياسي بقضية شعب مجروح يطلب الكرامة والحرية ويحترم قياداته لكن قياداته تسخر من الامه عن طريق تأجيل الاتفاق .