نشر بتاريخ: 30/09/2011 ( آخر تحديث: 01/10/2011 الساعة: 18:34 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير - مرة اخرى لبينا الدعوة الى قلقيلية ، انهينا محاضرة في جامعة القدس المفتوحة وشربنا قهوة مع المحافظ المضياف ، وعدنا نسير في هذه المدينة التي لم اكن اعرف معنى اسمها ، لكن اسمها موسيقي يصلح لرواية الاحداث الجلل ، ثم قال البعض ان اسم قلقيلية مثل غيرها من المدن الفلسطينية يعود الى العهد الكنعاني حيث كان " جلجيلية " ومعناها بالكنعاني الحجارة المدوّرة ، لكن العامة بدّلوا الاسم من جلجيلية الى قلقيلية ، اقرب الى الجيم المعطّشة كما يلفظها المصريون .
اخرون قالوا انها تسمية من العهد الروماني ، ولكن اساتذة اللغة العربية لم يستسلموا ، ويؤكدون على انها في العهد العربي الحديث وأنّ اسم قلقيلية من قال يقيل مقيلاً وقيلة وقيلولة وكلها في معنى الاستراحــة وقت الظهيرة " القيلولة "والتي أطلقت أيضاً على مواقع الاستراحة حيث الماء والأشجار على طريق القوافل.
وبصراحة ، انا لا يهمني اذا كانت كنعانية او رومانية او عربية ، ولكن يهمني الان انها فلسطينية ، وان فيها الثمرة التي احب ، وهي الجوافة . وفي كل مرة ازور فيها قلقيلية ارى شبها كبيرا بينها وبين مدينة تونس ، فهي تشبهها كثيرا ، بنايات من طابقين او ثلاثة ، حقول ، ماء، طيبة الاهل ، ابتسامتهم للغريب ، كرم المزارع ، وكثرة الامثلة ، فاهل قلقيلية يحبون كثيرا اعطاء الامثلة على كل موضوع يطرح في النقاش ، ولو قلت ان هناك ثقب في الاوزون لقالوا لك انه ومثلا كان هناك رجلا في منطقتنا وحدث معه كذا وكذا ، واعتقد ان الامر يتعلق بالتوكيد ، فالارض لديهم رخوة ومليئة بالماء وهم ميّالون بالسليقة الى التأكيد على الاشياء . بعكس اهل بيت لحم الذين يميلون الى التشكيك بالرواية ، فلو قلت لاهل بيت لحم ان هناك ثقب في طبقة الاوزون لقالوا لك ولكن هناك عالم استرالي قال العكس ، وتجد نفسك مستمعا وهم الذين تولوا الحديث عن طبقة الاوزون بدلا عنك .وذلك لان أرضهم جبلية صلبة وهم يتناولون الامر من كل الجوانب ويبحثون عن اضعف نقطة ليبدأوا منها !!! على حد زعمي .
وفي نفسي عودة للحديث الجوافا ، احبها كثيرا ، ربما لان والدي بائع خضار ، أو ربما لانها نبتة لا تنمو في بيت لحم ، فقبل 3 سنوات احضرت نبتة جوافة من قلقيلية واستنفذت موارد الماء عندي دون جدوى ، فماتت . فهي تحتاج الى درجة حرارة عالية والى ماء ، وقال لي الصديق طارق جبارة ان اهل طولكرم المجاورة يعانون من نفس المشكلة ، فالجوافة لا تنمو الا في قلقيلية . ,والجوافة هي جنس من النباتات من الفصيلة . وهنا ما يزيد عن 100 نوع تنتشر في المناطق الاستوائية في أفريقيا وأمريكا الجنوبية والكاريبي وأمريكا الوسطى.الا انه في قلقيلية لا يزرعون سوى 3 انواع فقط وهي :
الجوافة الغبرة : شكلها جميل لكن ليس لها روح كما قال لي مزارعو المدينة ، فهي لا تتحمل التخزين الطويل او النقل البعيد .
الجوافة المصرية : وهي ذات قدرة اكبر على التحمل والتخزين والتصدير وطعمها لذيذ ويفضلها التجار .
الجوافا الشوّاطي : وهي ثمرة بلدي معطرة الرائحة تنزل اخر الفصل ويأكلها اهل البلد .
وبعد ان انتشت روحي وانا اتمشى بين بيارات الجوافة التي تعود للزميل خليل رياش، لاحظت ان قلقيلية لا يوجد فيها مصنع لعصير الجوافا !!! كما لاحظت ان قلقيلية بعكس العالم ، هي التي تعيش على الزراعة بينما القرى المجاورة تعيش على الوظيفة !!!!!!!!!!! تماما مثلما ذهبت الى اريحا ذات يوم لاشتري برتقال ريحاوي فلم اجد في اسواق اريحا برتقال ريحاوي ، واتضح لي ان البرتقال الريحاوي يجري تصديره وان انواع البرتقال التي تباع في اريحا ليست من الريحاوي .
الجوافة من الفواكه ذات المحتوى الجيد من العناصر الغذائية. وأهم العناصر التي تحويها الجوافة حمض الأسكوربيك أو فيتامين «C».وتعتبر الجوافة مصدراً جيداً للكالسيوم والفسفور وفيتامين «أ» ويشار هنا إلى أن اللون الوردي للب يرجع لوجود مادة الليكوبين وهي المادة التي تعطي الطماطم أيضاً لونها الخاص.وتعتبر الجوافة مصدراً جيداً للبكتين (ألياف غذائية ذائبة مهمة للصحة)، وتزداد نسبة البكتين أثناء نضج الفاكهة لكنها تهبط بسرعة في الجوافة زائدة النضج. و يحتوي لب الجوافة على شيء من الأحماض العضوية الأخرى مثل حامض الليمون والماليك وغيرهما. وتستخدم الأوراق في الهند كمادة طبية قابضة ولمعالجة الجروح وألم الأسنان. ويستخدم لحاء شجر الجوافة أيضاً في دباغة الجلود ومواد الصبغة.
ثم اصطحبني مزارع اشتال يدعى طلال جعيدي وشقيقه عصام الى داخل مشتل متوسط الحجم ، وكانا من بين مئات المزارعين الذين يعذّبهم جدار الفصل العنصري ، فقد عزلهم الجدار عن اراضيهم ، وصاروا يحتاجون الى تصاريح من الاحتلال لزراعة المحاصيل ، كما ان اسرائيل تسعى الى تدمير اقتصادهم عن طريق التلاعب باسعار المحاصيل او نوعيتها ، فيجد الفلاح الفلسطيني نفسه في وجه حرب الزراعة .. وهنا اريد التنويه الى ان المزارع الفلسطيني لن يقوى على مواجهة التنافس الاسرائيلي من دون خطة استراتيجية لدى وزارة الزراعة ، وعملية تنظيم السوق وحمايته .
وقبل ان ننهي جولتنا دخلنا الى حديقة حيوانات قلقيلية ، واعجبنا قسم التحنيط ، وادهشنا ان الدب هناك قتل زوجته ثم اكلها ، وقد هالنا ان الدب كبير ، وخطير ، وضخم ، وتساءلنا بابتسامة خبيثة : ترى ماذا فعلت الدبة حتى طار عقل الدب وقتلها ثم اكلها !!!! والغريب ان مدراء الحديقة سردوا لنا قصصا كثيرة عن كيفية تعامل اسرائيل مع حيواناتنا ، فهم لا يعطوننا الحيوانات من ذكر وانثى حتى لا تتكاثر ، وعلى سبيل المثال فقد باعونا 4 اسود ذكور ما يعني انها لن تتكاثر .
وهنا وبدلا من الاهتمام الفائض عن حدّه بمحاكمة شخص وزير الزراعة ، علينا ان نلتفت الى سؤال انفسنا عن خطتنا للمزارع الفلسطيني ، لعنب الخليل وزيتون بيت جالا وبرتقال اريحا وفقوس بيت ساحور ومقاثي رام الله وورود غزة وغيرها . فلا خير في امة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع .
احد تجّار اللحوم في بيت لحم قال لي ، ان تجار اللحوم في بيت لحم يعانون كثيرا ، لان الاحتلال منع على اهالي القدس ان يشتروا لحوما للطعام من بيت لحم ، وان الغرامة قد تصل الى 50 الف شيكل - 15 الف دولار - لاي عربي مقدسي يشتري اللحوم من محلات بيت لحم الملاصقة للقدس بحجة انها غير مراقبة صحيا وزراعيا !!!!
وبين قلق قلقيلية ولحوم بيت لحم ، علينا ان نفكر مرة اخرى ، وبمشاركة المزارعين الفلسطينيي والباحثين والمتخصصين ، نفكر مرة اخرى كيف يمكن للزراعة في فلسطيني ان تنتصر رغم الاحتلال والجدار ... وكيف يمكن للحكومات ان تزيد من مزارع الابقار والاغنام والنعام والاغنام وحتى التماسيح والاسماك في مناطق مثل اريحا وغيرها من المدن .