نشر بتاريخ: 12/01/2012 ( آخر تحديث: 18/01/2012 الساعة: 08:58 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - ارتفعت اسعار المواد الغذائية في السنوات الاخيرة بمعدّل 74% ، ويرى المراقبون ان السبب وراء ذلك هو المضاربة المحمومة من جانب البنوك والشركات الاحتكارية الامريكية في شيكاغو وفي وول ستريت بالتحديد ، لو كان هناك عدالة في تغطية وسائل الاعلام العالمية للثورات الشعبية التي انفجرت في العام الماضي ، كان يجب ان تكون تظاهرات الجماهير الامريكية " احتلوا وول ستريت " من اهم واعظم الثورات المعاصرة لانها جاءت من قلب النظام الرأسمالي وعلى يد نخبة مثقفة جدا من الامريكيين الذين شهدوا ظلم الامبريالية والغنى الفاحش والفقر المدقع والذي تتسبب به الشركات الرأسمالية الاحتكارية التي تتحكم برقاب 7 مليار نسمة على وجه البسيطة .
ولا بدّ من الاشارة الى ان قيام الشركات الزراعية الاحتكارية الامريكية بتحويل الزراعة في امريكا من الحبوب الى الذرة ، من اجل استخدامها في تصنيع وقود الايثانول رفع اسعار الحبوب في الاسواق العالمية للفقراء الى عنان السماء . ومثال على ذلك فان ارتفاع اسعار الحبوب للفقراء في مصر ( وهي اكبر مستورد للقمح في العالم ) بلغ 74% ، ورغم ان نظام حسني مبارك كان سارع الى دعم اسعار القمح بنسبة 30% الا ان اسعاره ظلّت باهظة على اسنان الفقراء الذين يتضورون جوعا ، واسحب ذلك على اسواق افريقيا حيث استغلّت شركات الاستيراد والكمبرادور الامر وطغت وبغت في تسويق السلعة للجياع .والغريب ان جميع البحوث تثبت اليوم ان تجربة الايثانول قد فشلت تماما في استبدال النفط العربي بوقود الذرة لانها تجارب مكلفة جدا وشاقة في التضنيع ولم تنجح ومع ذلك تستمر الازمة !!
وبينما تنشغل الادارة الامريكية في نظريات تجريبية للسيطرة على شعوب العالم واهم هذه النظريات الشرق الاوسط الكبير - اساسها فشل استراتيجي في صنع شراكة مع الشعوب والامم الاخرى - ترى ان غضب الشعوب راح ينصب على حكوماتها التي هي في الاساس لا تعدو عن كونها مصارف صغيرة او شركات تسويق للبضائع ولا تقرر ولا تتحكم بالسوق العالمي . فلا اسماعيل هنية مثلا ولا سلام فياض يستطيع ان يقرر سعر القمح في السوق ، ومثله سوريا والاردن واليمن وكازاخستان وجورجيا وافغانستان والباكستان وحتى الهند !!! وهي مجرد حكومات تستورد البضائع وتشتريها من السوق العالمي ، وان كل باخرة تحمل القمح الى اي مكان العالم تحتاج الى رسم وزارة التجارة الامريكية ومن قبل ذلك تحتاج الى موافقة المخابرات الامريكية والبنتاغون ، وهو ما اصطلح عليه مؤخرا " العقوبات الاقتصادية " وقد شاهدنا ذلك على افريقيا ثم العراق حين كان يموت عشرات اطفال العرب من الجوع ونقص الغذاء والدواء ثم السلطة في عهد الزعيم عرفات وحين وافق الرئيس عباس على تكليف اسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الثانية عشرة ومن ثم اي دولة تحاول ان تقول لا للارادة الامريكية .
وملفات الامم المتحدة في جنيف مليئة بالتقارير التي تكشف كيف تلعب الكنائس التبشيرية في افريقيا لعبة مقايضة الخبز للافارقة باعتناق الدين المسيحي ، واكثر من ذلك تقارير يكاد يغشى على الصحافيين والخبراء حين يطّلعوا عليها . وبالمقابل كيف يحاول رجال دين مسلمون مقايضة الفقراء السود لقمة الخبز باعتناق الاسلام ، ومن لا يريد ان يعتنق المسيحية او الاسلام يموت من الجوع تحت اشعة الشمس الحارقة بلا رحمة ولا شفقة !!
والى الشرق الاوسط الكبير الذي دعا اليه الرئيس الامريكي جورج بوش ( شئ مختلف عن الشرق الاوسط الجديد الذي دعا اليه شمعون بيريس ) والذي يمتد من المغرب العربي الى افغانستان كما حدده صموئيل هنتنغتون أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفرد وهو من أشهر المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة الأمريكية وهو صديق شخصي للملياردير الامريكي ديفيد روكفلر ... حيث يشمل الشرق الاوسط الكبير حسب الامريكيين شمال افريقيا والخليج العربي " هم يطلقون عليه اسم الخليج الفارسي " مرورا بالجمهوريات الاسلامية في روسيا واسيا الوسطى وحتى حدود الصين وروسيا .
خلاصة القول انه وكلما ارتبط الاقتصاد المحلي والوطني لهذه الدول بالاقتصاد العالمي ، كلما ازدادت عبودية هذه الشعوب للشركات الاحتكارية الامبريالية في شيكاغو ، وكلما كان الاقتصاد زراعيا محليا واكتفاء ذاتيا كلما تحررت الشعوب من التبعية للمرابين في وول ستريت .. وبالتالي فان مشروع زراعي عائلي واحد في اي قرية فلسطينية افضل بكثير من مشروع زراعي كبير يخضع للقروض من البنوك ، وهو درس لا يحتاج الى ذكاء من جانب حكوماتنا بل يحتاج الى ارادة وطنية وسياسية تفهم المستقبل وتستعد له حتى لا يكون اولادنا واولاد اولادنا واحفادنا واحفاد احفادنا عبيدا للربا والاسهم في شركات شيكاغو الزراعية او مضاربات الوول ستريت . اما الدول الغنية بالنفط فهي ليست بأفضل حالا من دول بلاد الشام وشمال افريقيا لان المضاربات في وول ستريت ستقضي عليها نهائيا وتجعلها عبرة لمن اعتبر ، ولربما في مصر وشمال افريقيا وبلاد الشام يجدون في نهاية المطاف شجرة تين او حبة قمح او شجرة زيتون يأكلون منها ، لكن دول النفط لن تجد الا حبة رمل تجلس عليها تحت اشعة الشمس الحارقة وفيزا كارد لا يعمل في اي بنك اذا ما فرضت امريكا حصارا عليها .