السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لبيك يا بغداد

نشر بتاريخ: 22/03/2012 ( آخر تحديث: 26/03/2012 الساعة: 11:29 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - لو جاءت دعوة للزعماء والصحافيين والكتّاب والمحللين والمنظّرين لزيارة عاصمة اوروبية او خليجية غنية ، لسارعوا جميعا الى تفريغ جدول اعمالهم وقبول الدعوة حتى لو كانت الدعوة هناك لحضور مؤتمر حول انقاذ حيوان الباندا من الانقراض . واعتقد ان الجميع سيسارع لقراءة ابحاث عن الباندا واعداد نفسه للادلاء بدلوه في هذا المجال.

لكن . وبعد عشر سنوات على الاحتلال الامريكي للعراق ، وبعدما اظهرت امريكا لنا حقيقة " الربيع العراقي "بكل ما تعنيه الكلمة ، وبعد ان أكلت شركات الادارة الامريكية بلاد الرافدين لحما ورمتها عظما ، وبعد ان دمرت الاحداث والاحتلال والتفجيرات طرقاتها وساحاتها ، وبعد ان نهب اللصوص وقطاع الطرق والمرتزقة اثارها وبنوكها ، وبعد ان شفطت الشركات الغربية نفطها حتى بات ابناء العراق يطلبون الكاز ... بعد كل هذا وفقدان ملايين البشر لم تعد الفضائيات تتسابق لبث الاخبار من هناك ، ولم تعد الجمعيات والمنظمات تتغنى باسمها وتبث اغانيها أوتستضيف مبدعيها ، حتى كادت العراق تصبح عبئا على البعض .

العراق التي استقلت قبل 91 عاما عن الامبراطورية العثمانية ، قادرة على اعادة نفسها الى صدارة احداث التاريخ ، فهي التي قادت العالم العربي ردحا من الزمن وهي التي سارت مع مصر كتفا الى كتف في طليعة الخطاب القومي منذ حلف بغداد حتى انتفاضة الاقصى ، وهي التي وهبت نفطها وزهرة شبابها من اجل فلسطين ، وهي التي احتضنت العرب ، وعلمتهم الادب والشعر والثقافة والفنون والعلم والتكنولوجيا والادارة والعمل والزراعة والحرب والسلام .

اختلف العرب مع صدام ، لكنهم لم يختلفوا مع العراق ابدا ، وكل عربي عشق بغداد من صميم فؤاده ، وكل من زار بغداد واستنشق هواءها ، وسار على جسر الكرخ واطل بمحياه على دجلة ، كل من زار الاعظمية وذاق فيها حلوى المن والسلوى ، كل من تهادى في شارع ابو النواس وسمع باذنيه الموسيقى على لحن الصبا او النهوند ، كلّ من وصل سوق كرادة واشترى من زينتها وحليّها واوانيها المستطرقة يعرف معنى العشق البغدادي ، وكل من وصل البصرة ونينوى وسامراء يعرف كم هو نهر الفرات اصيل . ومن مدينة الصدر الى الفالوجة الى الحبانية وشط العرب وام قصر الى تكريت والاهواز واربيل يهتف كل شبر في العراق باسم الله واسم العروبة .

وتشهد 20 مليون نخلة في العراق على ان العراقي متسامح وشهم واصيل ، ورغم لوح حمورابي في بابل والذي يحفر قانون العين بالعين والسن بالسن على حجر الديوريت الاسود ، الا ان العراقيين اساتذة في العفو ، ومن جلجامش الى نبوخد نصّر الى حمورابي الى الجواهري الى هارون الرشيد الى ابو العلاء المعري الى بدر شاكر السياب كان العراقي سيد الكلام والحسام ، امير المديح والهجاء ، صاحب الكلمة الاصعب والموقف الاصلب .

العراق عاشت الستينيات في صراع حزبي داخلي هائل ، وعاشت السبعينيات في صراع حزب البعث ، وعشر سنوات في الثمانينيات في حربها مع ايران ، وعشر سنوات في التسعينيات تحت حصار امريكا ، وعشر سنوات من الالفية الثانية تحت احتلال امريكا وفي ظل عمليات تفجيرية قتلت 2 مليون مواطن وعالم وشيخ وراهب وهجرت 9 مليون ، وبعد اسبوع ستنعقد القمة العربية في بغداد ... ومن يشاهد التلفزيون العراقي يرى مدى فرحة العراقيين من سنّة ومن شيعة ومن كل الطوائف بهذه المناسبة وبعودة الاشقاء العرب الى عاصمة الدولة العباسية .

وبهذه المناسبة يحضرني في خيالي ان قانون حمورابي يسود الان ، ولو نتصوّر ان هذا القانون هو الذي يحكم العالم الان ، وهو قانون الردع الصارم لكل معتدي ، ولو ان شخصا يقلع عين شخص اخر تقلع عينه ، ولو كسر سن شخص اخر تكسر له سنا ، ولو ضرب شخصا حتى الموت ان الفاعل يضرب حتى يموت . ولو طعن شخصا وتسبب في تعطيل طرف من اطرافه ، يقوم القاضي باحضار الجاني ويستأصل له طرفا مماثلا من جسمه ، ولو ان شعبا احتل شعبا اخر تجتمع الاقوام وتحتل ارضه ، ولو ان مجموعة تاّمرت على بلد مثل فلسطين او العراق وتسببت في دمارها بهذا الشكل ، يحلّ عليهم نفس الدمار في بيوتهم واولادهم واموالهم !!!!!!!!