نشر بتاريخ: 31/07/2012 ( آخر تحديث: 06/08/2012 الساعة: 12:31 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كتب د. ناصر اللحام - رغم ان السؤال نسبي ولا يمكن اعطاء اجابة علمية عليه ، الّا ان الامر يستحق المجازفة , ولا بد ان ننتقل بانفسنا من حالة التخبط الى حالة التخطيط ، فالاخبار الواردة حول الاوضاع الاقتصادية العالمية لا تبشّر بخير ، ارتفاع سعر القمح نحو 30% في العام القادم وارتفاع الاسعار والوقود والكهرباء والسجائر وحتى ارتفاع اسعار المقابر ... ولا بد من القول ان هناك ملايين من البشر يعيشون قلقا حقيقيا لانهم لا يجدون مكانا يدفنون فيه بعد موتهم ، وان القبر في بعض الدول الغنية يصل الى عشرات الاف الدولارات فيما يبكي ملايين انهم لا يملكون ثمن الكفن ويقومون يتجميع المبلغ وهم على قيد الحياة من اجل ضمان توفره وان افريقيا قد لا تصلح للحياة الادمية في الثلاثين سنة القادمة اذا استمرت الازمة الاقتصادية على هذا النحو .
وزير المالية د.نبيل قسيس كان قاسيا في اخر لقاء مع الكتاب والصحافيين فقال انه ورغم اننا دولة فقيرة من دول العالم الثالث الا ان سلوك الناس هنا يبدو وكأنهم في دولة غنية ... اما اللواء توفيق الطيراوي فكان اكثر قسوة وقال خلال برنامج تلفزيوني سوف يبث على قناة ميكس معا الجمعة القادم : انظروا الى رام الله والى حالة البذخ ومرض الاستهلاك فيها ؟ هل هؤلاء يدركون معنى الازمة الاقتصادية ؟
اما قطاع غزة فقد دخل في غيبوبة اقتصادية وهم لا يدركون ان سنوات الحصار واقتصاد الانفاق يحطّم مستقبلهم الاقتصادي ويحوّلهم الى اسفل الهرم الغذائي ، ويبدو ان البعض هناك يصدّق ان حال غزة الاقتصادي جيد وجميل ، وان الدنيا تزهو امام اعين المحاصرين ، وهو مرض نفسي يشبه المرض النفسي الذي يصيب السجناء حين يعتقدون ان حالهم في افضل حال وان وجبة الطعام متوفرة لهم حتى الان !!!!
الشركات الغنية في الغرب تتغوّل على الشعوب الفقيرة ، بل ان الولايات المتحدة واوروبا الغربية تسمح وتدفع بالدول النامية لفتح المزيد من مصانع النسيج والقطن وصناعة الاحذية لتقديم خدمات للدول الغنية فيما تتخصص الدول الغنية بالتكنولوجيا والهاي تيك ومركبات الفضاء وتسيير البورصة العالمية ، ولو ان دولا مثل الصين او سنغافورة او هونج كونغ او تركيا او ايران ارادت ان تفتح المزيد من مصانع السيارات والاقمشة وجاكيتات الجلد والملابس الداخلية لقامت مريكا بتشجيعها على ذلك لانها تريد ان تتخلص من الصناعات البدائية والخدماتية وتحتكر لنفسها الزراعة والعلوم والفضاء والادوية والمياه .
وردا على سؤال : كيف سيواجه الشعب الفلسطيني موجة الفقر القادمة على العالم ؟
لا اعرف ، ولكنني اتوقع ان الهروب نحو مشاريع كبيرة بالمليارات سيعتبر امرا ساذجا لان اسرائيل ستنافسه وتحطمه في السوق الحرة ، واعتقد ان المطلوب من الاسرة الفلسطينية المزيد من التكافل والتعاون ، والتخفيف من النزعة الاستهلاكية الفارغة والطاؤوسية ، والتوجه نحو دعم القرية الفلسطينية وتطوير الاقتصاد الزراعي المنزلي ... فالقرية هي عامود خيمة الصمود الفلسطيني ، وكلما خفضنا عدد السكرتيرات والسيارات المشتراة عن طريق القرض البنكي ، وكلما طوّرنا المواصلات العامة لتصبح متوفرة ليل نهار ، وكلما قمنا بتشغيل المزيد من الايدي العاملة ، سنحمي انفسنا من كوارث 2013 . وقد سألني شاب في مقتبل العمر ما هو اقتراحي عليه بشأن ارتفاع سعر السجائر وهو عاطل عن العمل ، فقلت له اترك التدخين الان وفورا لا تعود هناك مشكلة لديك . فاستغرب اجابتي لكنه على ما يبدو اقتنع .
والامر كلّه مترابط ومتكامل ولا يحتاج الى مليارات بل يحتاج الى ادارات ناجحة ، فشوارعنا وسخة لان سيارة النفايات تأتي كل يومين او ثلاثة لجمع المحصول ، ولو ان البلديات قامت بتشغيل سيارات النفاية 3 مرات باليوم لساعدت في تشغيل 3 اضعاف العمال في البلدية ولحصلنا على وطن جميل ، ولو ان البلديات تقوم بتشغيل العمال لصارت كل بلدية اهم من اية وزارة ولكن معظم البلديات تدير نفسها بعقلية السكرتيرة وليس بعقلية القائد . ولو ان الاشراف على المشاريع الصغيرة في القرية حظي باهتمام اعضاء البرلمان المنشغلون منذ 6 سنوات بالاتهامات والشتائم بين فتح وحماس لحصلنا على ناتج فوري للجهد .
ولو ان اسرة فقيرة لا تملك وجبات يومها فهمت انها لا تستطيع تدريس 4 طلاب في الجامعة لان الرئيس الامريكي لا يستطيع ان يدرس 4 طلاب جامعة من دون ان تيأثر اقتصاديا ، لتمكنت من ادارة نفسها بشكل افضل ... ولو اننا نحارب الغلاء بالاستغناء ونكف عن اضاعة 12 ساعة يوميا من حياتنا على صفحات الفيس بوك وفكرنا في اعادة توزيع طاقاتنا بشكل منظم سننتصر .. وليس شرطا ان نصبح اغنياء ولكننا ننجو من ان نصبح فقراء وغارقون في الديون مثل سلطتنا .
فلسطين ليست فقيرة ، فهناك دول نفطية في الوطن العربي فيها فقراء اكثر من فلسطين ، وفلسطين لا تضيق علينا ، ولكن اخلاق الرجال تضيق .