السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

القيادة الفلسطينية حائرة: لماذا منحت اسرائيل سكان الضفة التصاريح !!

نشر بتاريخ: 22/08/2012 ( آخر تحديث: 26/08/2012 الساعة: 21:13 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - لم تشفع اهات تجار الضفة ولا انين اصحاب المحال التجارية ولا مناشدات باعة الاسواق في منع سكان الضفة من الدخول الى الخط الاخضر ، وهرع مئات الاف من سكان الضفة الى داخل الجدار في صورة عشيق يلاقي محبوبته ، صلّوا ليلة القدر في القدس وناموا هناك ، وانطلقوا من القدس الى القدس الغربية ويافا وحيفا والرملة وحتى حدائق الحيوان والى كل مكان يستطيعون الوصول اليه . وهو مشهد يذكرنا بيوم سقوط جدار رفح حين هرع اهالي قطاع غزة الى العريش ووصلوا حتى قناة السويس وهم يركضون دون ان يسألوا انفسهم لماذا ؟؟ فاشتروا كل ما يتوفر في محلات سيناء حتى وصل الامر ان سكان رفح المصرية صاروا يأتون الى غزة لشراء احتياجاتهم . وهي رسالة على الحكومات الفلسطينية ان تفهمها جيدا وان تعرف ان الجمهور الفلسطيني ليس معجبا جدا جدا بالواقع الراهن وانه سيهرب الى كل المستحيلات ويسلك كل الدروب لتغيير الواقع المرير .

وقد انقسم الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية الى قسمين ، قسم اراد ان يعيد ذكرياته داخل الجدار ، وقسم يرى لاول مرة الشوارع والشواطئ والمدن داخل الجدار ... وما يلفت الانتباه ويدفع الى التفكير العميق هو ردة فعل الجيل الفلسطيني الجديد على ما شاهدوه ، ورغم المقالات والكتابات التي نشرناها حول " مخطط صهيوني " لتدمير الاقتصاد في مدن الضفة ، الا ان الواقع تجاوز هذه الظنون ، وتخطّاها الى ابعد من ذلك فلم يعد ممكنا التمسك بهذا القول الان .

وقد سألنا العديد من قادة السلطة حول الامر ، فاتضح لنا ان اسرائيل منحت التصاريح وسمحت لمن هم فوق الاربعين عاما بالدخول الى الخط الاخضر دون تنسيق مع السلطة ، وان كانت السلطة حاولت لاحقا ركوب الامر والمشاركة في تسهيل حركة الدخول . حتى ان مكاتب الارتباط المدني ارتبكت جدا وتفاجأت بسيل المراجعين وعجزت عن تدبير نفسها الا بصعوبة وكأنها لم تكن تعرف شيئا عن الامر !!!

الجيل الفلسطيني الجديد الذي رأى القدس لاول مرة ، ورأى يافا لاول مرة ، عاد يحمل المقارنة في قلبه ، المقارنة بين الوطن الصغير ، ودولة الحكم الذاتي وانسداد الافق وبين المشاهد الجديدة ، وان كانت هذه مجرد انطباعات ، الا انها في غاية الخطورة من ناحية التكوين السيكولوجي ، ونحن نتحدث عن جيل كامل لم ير في اخر عشرين عاما سوى حكم السلطة في الضفة وحكم حماس في غزة ، ومعظم هؤلاء لم يغادروا مدنهم ولا مرة في حياتهم .

مقارنة ثالثة مهمة وهي المقارنة التلفزيونية ، وبين ما شاهد الجيل الفلسطيني الجديد في القدس والمدن الفلسطينية واليهودية داخل الجدار ، وبين ما يشاهدونه على شاشة التلفزيون في دمشق وصنعاء وطرابلس والقاهرة وغيرها من العواصم العربية ، فالجيل الفلسطيني الجديد ، يفكر الان بينه وبين نفسه ويهضم الافكار بسرعة ، لكنه لم يصل الى نتيجة بعد . وانا قانع يقين ان كل جيل فلسطيني هو جيل مبدع وخلّاق ، ومثلما اجترح جيل الثلاثينيات الاضراب الكبير ، وجيل الستينات الكفاح المسلح وجيل الثمانينيات انتفاضة الحجارة وجيل الالفية انتفاضة الاقصى ، فان الجيل الراهن يفكر ويهضم التجارب من حوله ليخلص الى نتيجة مبدعة وتصحيحية للحال القائم ، لا سيما بعد فشل المثقفين في رام الله وغزة في قيادته الى حل جذري لمشاكله واولها مشكلة الاحتلال .

قد تكون اسرائيل تريد وتخطط لاستبدال مفهوم الوطن بمفهوم المواطنة ، وقد يكون الزميل عبد الرؤوف ارنئوط على حق حين قال ان حزب الليكود يمارس شعاره المعروف " اهانة السلطة والقيادة وتوفير الرخاء للسكان " على عكس حزب العمل الذي يمارس شعار " اهانة الناس وتوفير الرخاء للقادة " . لكن زميل صحفي اخر من قطاع غزة قال ساخرا :كيف ان قبائل البدو في سيناء باتت ترفض دخول شعب غزة الى سيناء ومصر تغلق المعبر خلال ايام العيد فيما ان اسرائيل تفتح بوابات تل ابيب لسكان الضفة !!! ما الذي يجري ؟؟

ان ما يحدث هذه الايام ليس مجرد تصاريح عابرة تناولها شبان الضفة لرؤية الاقصى ، وانما تذاكر لمشاهدة البديل عن قيام السلطة . وان تكون غزة المحاصرة الفقيرة المنقطعة عن العالم هي الدولة الفلسطينية القادمة ، وان الضفة والقدس وبيت لحم مثل اخواتها الرملة واللد ويافا وعسقلان وكفر قاسم وام الفحم .