السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لا تسخروا من ليبرمان .. فهو رئيس الحكومة الاسرائيلية القادم

نشر بتاريخ: 26/08/2012 ( آخر تحديث: 29/08/2012 الساعة: 15:45 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتب رئيس التحرير د.ناصر اللحام - كتبنا من قبل حول المجتمع الاسرائيلي الحديث ، وان فكر ليبرمان صار ينتصر وينتشر في اسرائيل عام 2012 ، وتشهد الساحة الاسرائيلية انعطافة غير مسبوقة في منهاجية التفكير ، ولاول مرة منذ مئة عام لا تكون القضية الفلسطينية في برامج الاحزاب الاسرائيلية التي ترشح نفسها للكنيست ، وباستثناء حركة ميرتس فان جميع الاحزاب الاسرائيلية الصهيونية قررت " اهمال " الشعب الفلسطيني ونضالاته ، وازدراء كل نداءات العالم التي تدعو اسرائيل للكف عن الاحتلال والاستيطان .

وفي التصور العام ان فكر الوسط في اسرائيل يندثر الان ، بعد ان اندثر تماما فكر اليسار منذ عشر سنوات ، ولم يبق في اسرائيل يمين محافظ ، لان اليمين المحافظ والكلاسيكي في اسرائيل وعلى رأسه حزب الليكود لا يملك اية حلول للقضية الفلسطينية ، كما انه لم يعد يملك اية تكتيكات تقنع الجمهور الاسرائيلي بان لديه حلول .

وهنا يلعب ليبرمان لعبته ، والغريب ان الاعلام العربي ( وغالبية الاعلام الغربي ) تعامل معه منذ سنوات على انه مجرد احمق ولا يملك أي فكر ومجرد يهودي روسي فاشي متطرف ومغرور ومهزوم ولا يستحق النقاش اساسا ، وتزامن الامر مع توقف العمليات التفجيرية منذ العام 2005 وحتى الان ، وحين فصلت اسرائيل البلاد بواسطة جدار الفصل الاسمنتي صار الجمهور الاسرائيلي يميل الى افكار ليبرمان السهلة والمريحة ... وجل افكاره ان العرب والفلسطينيين مجرد ذبابة لا يجب ان نهتم لهم ويجب طردهم وترجيلهم عن غرب النهر .. فاعجب اليهود بهذا الحل السحري واعطوه 15 مقعدا ، فيما يتوقع ان يحصل على 25 مقعدا .في السنة القادمة .
والغريب ان ليبرمان وحزبه اسرائيل بيتنا لا يفكرون الفوز برئاسة الحكومة ، بل انهم مرتاحون لكونهم الحزب الاكثر تأثيرا ونفوذا وفكرا وليس الاكثر مسؤولية . وحتى عضوة الكنيست انستاسيا ميخائيلي التي سكبت كوب الماء على رأٍس النائب العربي غالب مجادلة تحقق الان المزيد من الاعجاب والشهرة في اوساط الناخبين اليهود الذين يقولون : فعلا هذا هو الحل المناسب مع العرب وليس المفاوضات .

ليبرمان قال في احدى اللقاءات الاذاعية : انا غير متعجل للحل مع القيادة الفلسطينية ، ويمكن ان ننتظر 20 عاما اخرى وبعدها سنفكر في الحديث معهم واذا لا يعجبهم هذا الكلام ليرحلوا ، او ليغضبوا فنحن لا يجب ان نكترث لغضبهم والى انفعالاتهم ومواقفهم . وعلى ما يبدو فان ما يقوله ليبرمان يحاكي ما يضمر به قادة اسرائيل الاخرين.

مع بداية التسعينيات حين هاجر مليون روسي الى فلسطين بحجة انهم يهود ، كانت اسرائيل تعني لهم الحلم الذي يشبه الحلم بالذهاب الى امريكا ، بل ان المواطنة في اسرائيل ستسمح لهم بالسفر الى امريكا من دون فيزا ، والحصول على شقة وسيارة وغيرها . فاستفاد الرعاع واللصوص والعالم السفلي من هذه التسهيلات على افضل وجه فيما راح علماء الرياضيات وخبراء القانون والفلاسفة يعملون في النفايات وكنس الشوارع في صورة اهانت الشهادات العلمية التي يحملونها .

وبحسب الاحصاءات الاسرائيلية فان اكثر من 82% من اليهود الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل يرون أن هناك تمييزًا ضدهم باعتبار انهم يهود من الدرجة الثانية لم يندمجوا في المجتمع الإسرائيلي. كما ان 31% من أطفال الروس اليهود في إسرائيل يتعرضون في المدارس لاعتداءات عنصرية . واسفر ذلك عن عودة 10% منهم الى مساقط رؤوسهم او الى مناطق اخرى. وتشكل نسبة المهاجرين الروس 20% من نسبة اليهود في اسرائيل وحوالي 13% من نسبة سكان اسرائيل بصورة اجمالية . وبحسب قسم الدراسات في الجليل فان المهاجرين الروس يتمتعون بنسبة ثقافة مهنية عالية مقارنة بالاسرائيليين وخصوصا في مجال الصواريخ والاسلحةً. وبالفعل فقد دخلوا الى الجيش واصبحوا مقاتلين شرسين وتولوا مناصب عليا ما يجعلهم اصحاب البقرة المقدسة .

وكتب احد الصحافيين الروس كتابا خطيرا قبل سنتين بعنوان ان تكون روسيا في اسرائيل واظهر من خلاله حجم التمييز العنصري الهائل ضد الروس بدء من قتل فتى روسي لانه تحدث مع صديقته باللغة الروسية في عسقلان وصولا الى نظرة التشكيك التي لا تختلف عن نظرة التشكيك بالعرب وهم يعانون من الافكار النمطية كالاتهام بالمافيا والعنف وتتهم الروسيات انهن بائعت هوى . ولكن حاجة الحكومات الاسرائيلية لاصواتهم لا سيما فترة شارون الذي كان يلقي التحية عليهم باللغة الروسية جعلت الامر طي التمويه الاعلامي .

وكان الروس دخلوا الحياة السياسية في اسرائيل على يد ناتان شارنسكي الذي هرب من الاتحاد السوفييتي الى اسرائيل في الثمانينيات وشكّل حزب اسرائيل المهاجرة حتى جاء بعده افيغدور ليرمان .

وللاسف صار حزب إسرائيل بيتنا لانه الوحيد ، يمثل المهاجرين الروس. كما ان ليبرمان اسقط حكومة شارون سابقا ويستطيع اسقاط حكومة نتانياهو حاليا لان لديه 15 مقعدا من اصل 120 في حين حزب كديما 28 مقعدا والليلكود 27 مقعدا ويتوقع ان يحصل على 25 مقعدا بعد عدة اشهر وبالتالي فان كل ما يقوله ليبرمان الان ، يمكن ان يتحقق بعد عدة سنوات فعلا .فيما العرب يطيب لهم ان يرسموا الكاريكاتيرات الساخرة منه وان يعتبروه مجرد حالة شاذة مع انه هو الحقيقة الاكثر ثباتا بين الاحزاب الاسرائيلية ، وقد يتعامل معه العرب انه مجرد كلب ينبح عليهم ، وانه دوبرمان ، لكنه في الحقيقة ليبرمان الذي يعبئ الفراغ الايديولوجي والسياسي الكبير وسط الجمهور الاسرائيلي .