نشر بتاريخ: 21/02/2013 ( آخر تحديث: 25/02/2013 الساعة: 22:32 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
أحسن القيادي الاعلامي الفلسطيني نبيل عمرو في دخوله الجرئ ساحة الكتابة عن عرفات بشكل جديد وناقد ، بعيدا عن الشعارات الكبيرة و التأليه والمديح الساذج من ناحية أو الذم والقدح من ناحية اخرى .
وفي كتابه بعنوان ( ياسر عرفات وجنون الجغرافيا ) جرأة منقطعة النظير في الحديث عن محطات في حياة الزعيم عرفات من وجهة نظر جمعت بين المحبة والانتقاد والعتب والامانة الصحافية وهي حالة نادرة بين القادة الذين رافقوا عرفات وكتبوا عنه لان سنوات العمل قادرة على منع اي كاتب من البوح بمكنوناته عن القائد في مجتمع لا يقبل الا المدح من دون سبب ، او الانتقاد من دون سبب. وانت كقارئ لن تجد في هذا الكتاب عاشقا متيما بعرفات ولا " مجنونا " مفتونا بعرفات بقدر ما تجد ان الكاتب يحمل ذاكرة حديدية ويسرد في صورة قلمية ما جرى في احدى ساحات عرفات الكثيرة .
والحق يقال ان نبيل عمرو اخذ حقه لنفسه في هذا الكتاب ، اخذ حقه المعنوي والقيادي وسطّر للقاصي والداني ، انه كان الى جانب عرفات في اهم مراحل البقاء الفلسطيني لا سيما في سفينة الخروج من بيروت وفي طرابلس وفي اليمن وفي تونس وفي الاردن وفي موسكو الى جانب عرفات . حتى ان الاخ الكبير فيصل الحوراني وفي مقدمة الكتاب بدا وكأنه معجب بنبيل عمرو اكثر من اعجابه بعرفات .
وان كان لي تحفّظ مهني على الفصل الاول من الكتاب اي من صفحة 23 الى صفحة 32 ، لانها ضعيفة ومشتتة وليست بقوة الفصول الاخرى ، الا انني اجد عذرا للكاتب ان تلك الفترة قبل حرب 67 كانت مشتتة وغير واضحة اساسا .
لغة الكتاب بسيطة وواضحة ومفهومة لكل قارئ، رغم انني كنت افضل ان يقوم سيناريست مختص باعادة تنسيق الكتاب وهو امر لم يفت بعد ، فالكتاب يوزع بطريقة كبيرة ويمكن اعادة تنسيق فقراته في الطبعة الثانية ، مع ملاحظة ان الكتاب غير متوفر في مكتبات المدن الفلسطينية وكان علي التوجه الى مكتبه واحدة في رام الله لشراء نسخة .
ولو ان بيدي حيلة لكنت اعترضت على عنوان الكتاب ، فالكاتب وجد نفسه مضطرا في كل فصول الكتاب لاثبات العنوان وهو جنون الجغرافيا ، بل انه بالغ احيانا في محاولة الصاق هذا العنوان بعرفات في كل واد ، فانا اعتقد ان ازمة الجغرافيا اصابت كل فلسطيني وليس عرفات لوحده ، فقد اصابت كل قادة الفصائل وكل لاجئ حتى طالت 14 مليون فلسطيني . كلنا لاجئون وكلنا تركنا بيوتنا وجلسنا على الانقاض نندب حظنا او نشكو للسماء هذا الظلم حتى اصبنا بجنون العودة الى فلسطين ولو في نعش خشبي . كما ان ترجمة بعض المصطلحات الى اللغة الانجليزية ستكون قاسية ولن يفهمها القارئ الاجنبي ، فحين نقوم بترجمة عبارة ( وقد كان عرفات مهووسا بالجغرافيا ) او عبارة ( دخل الرجل حالة اقرب الى الجنون وفقدان التوازن ) فان الامر سيبدو قاسيا على تاريخ الزعيم .ولو ان الاخ نبيل تحرّر من هذا العنوان لما اضطر للكتابة في صفحة 129 ان يقول : ان مرحلة اللامكان هذه التي وجد عرفات نفسه سجينا داخل حالتها المخيفة ، اصابت الرجل بحالة اقرب الى الجنون وفقدان التوازن .
على كل حال لم اجد احدا يوافقني هذا الرأي حول العنوان ، وقال لي اصدقائي انني افرط في الحساسية تجاه العنوان مع انه عنوان موفق وجديد وجرئ ويصف الحالة العرفاتية بدقة ووضوح .
نبيل عمرو وهو عرفاتي بامتياز ، حرّرنا من عقدة الخطوط الحمراء ، وراح يتحدث عن عرفات بصفته انسان وكائن حي ، يتعب ويمرض ويقاوم المرض ويعاند ويشفى وفي ظني انه لم يجرؤ بعد اي كاتب عربي ان يقول عن قائده ومعلمه ما قاله نبيل عمرو " ظهرت على القائد العام اعراض غير مألوفة .. فقد بدأ يضيق ذرعا بأي نقاش . ولم يعد يحتمل اي اختلاف معه حول اي امر ، وصار النزق والتحدث بانفعال زائد ، سمتين تثيران القلق في سلوك الرجل وردوده وافعاله " .
الكتاب منحاز لعرفات بالكامل ، ولكن بطريقة حضارية وثقافية تضمن مستوى واسع للجدل والنقاش ، ونبيل عمرو يقول انه الان بصدد اصدار الكتاب الثاني بعنوان شرخ في القمة ، وكتاب ثالث عن فترة محمود عباس . ونحن في شغف لصدور الكتابين اللاحقين .
الكتاب جدير بالقراءة بكل انتباه ، لانه اضافة نوعية للمكتبة العربية ، ولكنني لم افهم اخر 3 صفحات ، بل اخر 3 فقرات ، بل اخر 3 اسطر . فهل يقصد الكاتب واستنادا الى سفيرنا حسن عبد الرحمن ان رفض الزعيم عرفات لمبادرة كلينتون هي التي جرّت عليه الحصار والنهاية المعروفة ؟
وهل كان الجميع يؤيد مبادرة كلينتون باستثناء د.صائب عريقات ؟ وهل الجدل والمناكفة بين الامير بندر بن سلطان وبين صائب عريقات كان كافيا ليتخذ عرفات قرارا جازما برفض مبادرة كلينتون ؟ ولو وافق عرفات عليها هل كانت باقي الفصائل تقبل باقامة هيكل تحت المسجد الاقصى ؟
انا اتصلت بصائب عريقات وسألته عن الامر ، فروى رواية مختلفة . وقال ان عرفات وافق على مبادرة كلينتون !!! ولا اعتقد ان هذه مجرد نقطة هامشية لا يجب الوقوف عندها ... وكم اتمنى على الاخ نبيل ان يكتب لنا مقالة حول مبادرة كلينتون وهل أيدها هو ام رفضها؟ وماذا كان اقتراحه للزعيم حينها ؟