نشر بتاريخ: 09/05/2013 ( آخر تحديث: 13/05/2013 الساعة: 22:18 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
كلّما كتب الانسان عن وطنه يحس انه اكبر ، وكلّما كتب عن نفسه صار اصغر ، وكلّما ابتعد في الكلام عن مفاهيم سامية صار اقرب وكلما اقترب من الفكرة صارت اقل وميضا واكثر عيوبا ، كلّما تحدّث المرء عن موقف صارت الفكرة أكبر والامثلة اصغر . والافكار مثل النجوم يكمن جمالها في بعدها واستحالة الوصول اليها . اما الافكار القريبة الملقاة على قارعة الطريق فهي متسخة في الغالب او ذابلة .
كلّما انغمسنا في الكتابة عن الانقسام انقسمنا ، وكلما كتبنا عن الفقر اكثر فقرنا اكثر . كلّما كتبنا عن الشموخ شمخنا وكلّما كتبنا عن الكفاف انكفأنا . ونكتب عن الشجب والاستنكار فنستنفذ ادواتنا اسرع .
كلّما رفعت اسرائيل اسعار السجائر حرصا على ميزانية جيشها وقواتها وطائراتها وغوّاصاتها ، ترفع الدولة الفلسطينية الحرّة المستقلة أثمان السجائر في نفس اللحظة ، وقام التجّار سامحهم الله بتخبئة الدخّان فانقطع من السوق ، وصار المواطن يلف على سيجارة بدلا من ان يلفّ سيجارة . وفي العشرين سنة الاخيرة تضاعف سعر السجائر خمس مرات ولم ترتفع اجور العمال والموظفين ولا مرة !! ويقول قائل انه في اوروبا ثمن علية السجائر 11 يورو . مزبوط يا حضرة المسؤول ولكن كيلو اللحمة في الدول الاخرى 2 يورو وليس 15 يورو .
كلّما ارتفع سعر السيجارة كلّما ازداد غضب العاطلين عن العمل لذلك من مصلحة الحكومات وعلى رأسها حكومة اسرائيل ان تختصر وتتخفّض سعر علبة السجائر وسعر كيلو اللحمة ورغيف الخبز ووجبة حليب الاطفال في الاراضي الفلسطينيةبدلا من ان تثور الناس وتغضب وتبدأ انتفاضة ثالثة ؟ وهل اذا قلنا ذلك تتدخل الادارة الامريكية عند اسرائيل وتتدخل اسرائيل عند الحكومات فيسارع وزراء المالية للاعتذار من الشعب وتخفيض سعر السجائر ؟
كلّما اوقفت السلطة التوظيف وجلس جيش الخريجين في وجوهنا عاطل عن العمل نضيع في ذاتنا ، وان غادر الخرّيج يبحث عن العمل اصبح مهاجر وان بقي اصبح " قنبلة موقوتة " . وأجمل ما في هذا البلد ان قادة التنظيمات يبدأون كلامهم مع الجماهير بالقول : ايها الشعب الصابر الكريم ، ايها الشعب الصامد العظيم . ولا خلاف ان الشعب صامد وصابر وعظيم ولكن الخلاف كيف نخفّف عنه ونسهل صموده وحياته .
كلّما نقابل المسؤول ، يسارع ويؤكد ما نقوله على اعتبار انه من الجماهير وانه يضم صوته لصوت الصابرين ، حتى اننا نضطر ان نسكت لمنحه الفرصة للتعبير عن هموم الجماهير ومشاكلهم . بل اننا ذات يوم رحنا نشكو لاحد المسؤولين التقدميين من الصف الاول هموم الناس ، فسارع هو وتحدّث لنا عن هموم الناس 5 ساعات متواصلة بلا انقطاع . نظرنا في وجوه بعضنا وغادرنا ونحن لم نحرك شفاهنا .
كلّما مرّ عام ، نحتفل بيوم الارض وقد ضاعت الارض . نحتفل بيوم الاسير وقد غاب الاسير . نحتفل بيوم القدس ولا ندخلها حتى بتصريح . نحتفل بالضيوف الكبار ونحن نصغر ونصغر ، وبعد ايام سنحتفل بالنكبة ونحن نعيش كل يوم نكبة . ونرسل اولادنا للجامعات فيجري تعليمهم الفشل والاحباط والثرثرة والحقد الطبقي والمذهبية الدينية والسياسية بدلا من تعليم العلم والاختراعات والحضارة والابداع والنجاح .
كلّما يرشح مسؤول نفسه يقدّم نفسه للجمهور على انه عبقري زمانه وخصوصا وزراء المالية في كل الحكومات ، وحين يتولى المنصب يجلس بجانبنا يبكي على حاله وحالنا فنشفق عليه .
كلّما كتبنا نتألم اكثر ، ونتعلّم اكثر . والجماهير لا تبحث عن مسؤول خارق او مسؤول حارق متفجّر يدمّر اسرائيل ويحرّر يافا وعكا وعسقلان .ونحن لا نريد حكاما عسكريين او أمنيين يحكموننا بالحديد والنار ويخلعون ملابسهم على اول حاجز عسكري اسرائيلي للتفتيش .
كلّما نفكر اكثر ، نصبو الى سلطة مجتمع مدني بكل معنى الكلمة يقف الجميع فيه تحت طائل القانون . نبحث عن مسؤول صادق يصارح الجماهير بما لها وما عليها . عن مسؤول يعرف ويدرك ان القروض ارهقت العائلات والاسرى في خطر الموت والقدس تحت سكين التهويد ، وان الكلام الكبير ضيّعنا وضيّع البلد ، وان لدينا حكومتين ونقابتين ورئيسي وزراء ونسختين من كل وزارة وهيئة ولكن ليس لدينا اجرة طريق للمكتب .
نبحث عن مسؤول لا يقول يا شعبنا العظيم ويرسل جنوده لضرب الجماهير بالهراوات والعصي ، عن مسؤول يجيب على سؤال واحد فقط : ما هي الخطوة القادمة ؟