نشر بتاريخ: 17/08/2013 ( آخر تحديث: 20/08/2013 الساعة: 14:41 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
يبدو المشهد في العالم العربي صورة مكبرّة لما حدث في فلسطين عام 2006 ، انه اقتتال على السلطة بدواعي ايديولوجية وسياسية ، وان اختلفت الاسماء والاحزاب الا ان المحورين ثابتين ، محور الليبراليين القوميين ومعهم الجيش ووسائل الاعلام الكلاسيكية ودول النفط وروسيا العظمى وتويتر ، ومحور الاخوان ومعهم الجماعات المسلحة وقناة الجزيرة ودول الغرب ومتصفحي الفيس بوك .
وفي اوج الصراع في مصر كتب الاعلامي " الظريف " سيد ابو حفيظة ممازحا فقال : صار واضحا ان الاخوان يسيطرون على الفيس بوك وان القوميين يسيطرون على تويتر . ورغم انه كتب ذلك من باب المزاح الا ان النكتة بحد ذاتها دلالة ومؤشر على واقع بائس وصل اليه العرب في يومهم " الاغبر " هذا .
المشهد دامي والمخرج متحمّس جدا ويريد التصوير على الهواء مباشرة ، والممثلون ينزفون دماء حقيقية وليس بقعا من الكاتشب ، والابطال يقومون بأدوارهم بأنفسهم ولا دوبلير بعد الان ، فكل بطل عليه ان يقوم بقفزاته لوحده ، والشهداء لا نرى وجوهم بوضوح الا في داخل التوابيت او الاكفان .
والديموقراطية لا تنفع في مجتمع عشوائي شبه اقطاعي شبه برجوازي شبه اشتراكي شبه ديني شبه عبثي ، فالديموقراطية رداء المجتمعات البرجوازية الصناعية التي قامت بتربية الفرد على تمثيل نفسه بنفسه او من خلال حزب مساهم في الحكومة ، وتثبت التجارب المعاصرة انها لا تنفع في مجتمعات عشائرية او جماعات قبلية او طائفية والنتيجة واضحة في اليمن وليبيا ومصر ومعظم الدول العربية ، كما لا تنفع في قبائل اّكلة للحوم البشر وهذا ما قرأناه قبل شهرين عن قبائل في ليبيريا الوسطى قامت بأكل خمسة من افرادها لانهم ذهبوا الى صندوق الانتخابات وشقوا عصا الطاعة لقائد القبيلة !!
ان الديموقراطية في المجتمعات العربية تشبه ربطة عنق على اللحم ، من دون قميص او بدلة ، انها عبارة عن تهريج ساخر من جانب المشرّعين وموظفي حقوق الانسان الذين اعتمدوا النقل وغيّبوا العقل ، والمجتمعات العربية لا تحتاج الى ديموقراطية بل تحتاج الى حرية اولا .والى العمل لان جيوش العاطلين عن العمل لن تسكت الى الابد وتموت بصمت .
وكما حدث في فلسطين . فان استمرار الصراع بهذا الشكل في العواصم العربية سيؤدي الى نفس النتيجة التي وصلنا اليها في فلسطين وهي ان يسيطر كل طرف على بقعة جغرافية معينة ، حماس سيطرت على غزة وفتح على الضفة ، سيلفاكير سيطر على الجنوب ووعمر البشير سيطر على الخرطوم ، ونلاحظ تونس وليبيا واليمن وسوريا والعراق والحبل على الغارب .
وأخطر ما في المشهد هو انخراط " المثقفين " في تذكية الحروب الطاحنة الدائرة ، لدرجة تشمئز نفسك حين تقرأ لبعض المثقفين الذين كنت اعتقد انهم قد يصلحوا لمساعدة الصحافيين وطلبة الجامعات على تغيير المجتمع العربي ، فتكتشف انهم مجرد حفنة مريضة من المأجورين السفلة لمبلغ من المال في عواصم الرخويات ، وانهم غمسوا أنفسهم في اشعال الفتنة بطريقة لا تستحق اي احترام ، تقرأ لهم وتعتقد انهم مجموعة من البلطجية مع فارق انهم يستطيعون التعبير كلاميا بطريقة أفضل . تقارنهم مع بابلونيرودا وغسان كنفاني وناظم حكمت وفرانس فانون وجبران خليل جبران ومحمد عبدو والكواكبي ومحمود درويش وعبد الله عروي وعبد الحليم بركات ، فترى كم هم صغار وضئيلون وسفلة ومنحطّون استخدموا ثقافتهم وشهاداتهم وصفحاتهم وشاشاتهم في سفك دم الجيل العربي الجديد .
الجيل العربي القادم يستحق مثقفين افضل منهم . وصحافيين افضل منا . وقادة أصدق ، ورؤساء اطهر ، ووزراء اقوى ، وشيوخ أذكى ، واحزاب أهم ،ورجال اعمال انجح ، ونساء أرقى واباء اوفى وامهات اكثر حضورا ووسائل اعلام أعلم...
وعلى الاقل ألا نشارك في سفك الدماء ، على الاقل ان نقرأ الفاتحة على انفسنا بصمت ، وعن الراحل غسان كنفاني قال : نحن نموت مرتين . مرة لنعرف اننا لسنا أحياء ، ومرة لنعرف اننا موتى بلا قبور .